خطر ظهور المنكرات والواجب نحو ذلك

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها الإخوة في الله لقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولى الكلام فيها أصحاب الفضيلة: الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر، والشيخ إبراهيم بن عبدالله الغيث، والشيخ محمد بن عثمان المنيعي، وذلك موضوع ظهور المنكرات وبيان أسباب ذلك وعلاج ذلك، وقد أجاد الإخوان المشايخ في ذلك وأوضحوا ما ينبغي إيضاحه، وبينوا خطر هذه المعاصي والكثير من أسبابها ووسائلها، والكثير من علاجها، فجزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتهم، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وبما علمنا، ووفق المسلمين جميعًا للعافية من شرها وخطرها، وهداهم جميعًا لما يرضيه، ووفق قادتهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد.

أيها الإخوة في الله: الأمر كما سمعتم وفوق ما سمعتم من خطر المعاصي والمنكرات، والله جل وعلا خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له، وأنزل الكتب وأرسل الرسل لإقامة الحجة ولإظهار الحق، ولدعوة الناس إلى ما خلقوا له، قال جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64].

فالثقلان من الجن والإنس خلقا ليعبدوا الله ليستقيموا على توحيده وطاعته ليخصوه بالعبادة ليمتثلوا أوامره ولينتهوا عن نواهيه، ولما كانت العقول لا تستطيع أن تستقل بمعرفة ما يرضي الله، وما يغضب الله، ولا تستطيع أن تعرف الأعمال والأقوال التي يحبها ويرضاها، ومعرفة الأقوال والأعمال التي يبغضها ولا يرضاها بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنزل الكتب لبيان هذه الأمور، لبيان ما يحبه الله ويرضاه، ولبيان ما يسخطه الله من أقوال وأعمال، حتى يكون العباد على بصيرة، حتى يعلموا ما هي الأعمال، ما هي الأقوال، ما هي الصفات، ما هي الأخلاق التي يرضاها ربنا، فيعملوا بها، ويأخذوا بها، ويتواصوا بها، وليعلموا ما هي الأعمال وما هي الأقوال والأخلاق والصفات التي تغضب الله وتباعد من رحمته حتى يحذروها، حتى يبتعدوا عنها، فالحجة قد قامت، قد أقام الله الحجة، وقطع المعذرة، وأرسل الرسل الكرام، وختمهم بأفضلهم وإمامهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء، وهو أفضلهم، وليس بعده نبي ولا رسول، من ادعى النبوة بعده أو الرسالة فهو كذاب مفتر كافر بالإجماع، نسأل الله العافية.

فالواجب على الثقلين جميعًا أن يعنوا بما بعث الله به نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وأن يدرسوا كل ما جاء به هذا الرسول العظيم، فيفعلوا ما أمروا به، وينتهوا عما نهوا عنه، ويقفوا عند حدود الله، ويسألوا الله أن يعينهم ويمنحهم التوفيق، فالهداية بيد الله جل وعلا، عليهم أن يبذلوا الأسباب، عليهم أن يتقوا الله، عليهم أن ينصحوا لله ولعباده، عليهم أن يتفقهوا في الدين، عليهم أن يعملوا بما أمر الله به ورسوله، وعليهم أن ينتهوا عما نهى الله عنه ورسوله، وعليهم أن يسألوا الله التوفيق والإعانة هو المعين والموفق جل وعلا لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272].

 فالمؤمن والعاقل يسأل ربه ويضرع إليه دائمًا أن يهديه سواء السبيل، وأن يعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يعيذه من شر نفسه وهواه وشيطانه، ومن شر شياطين الإنس والجن جميعًا، ويكدح ويعمل حسب ما من الله عليه وفتح به عليه من العلم والهدى، هذا هو الواجب على جميع الثقلين من الجن والإنس أن يجاهدوا هذه النفوس، وأن يلزموها بحق الله، وأن يباعدوها عن معاصي الله، وعن أسباب غضبه قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] أطلق الجهاد ولم يخصه بنفس أو شيطان أو غير ذلك قال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا [العنكبوت:69] يعني جاهدوا أنفسهم، وجاهدوا الشيطان، وجاهدوا دعاة الباطل، وجاهدوا الكفار، وجاهدوا المنافقين، وجاهدوا العصاة، كل هذا جهاد، فالله جل وعلا وعد من جاهد في سبيله عن إخلاص وعن إيمان أن يهديه سبحانه سبيله القويم، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا [العنكبوت:69] يعني في الله لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، فالمجاهد الطالب للنجاة موعود بالهداية والتوفيق، فعلى العبد أن يصدق في ذلك، وأن يخلص في ذلك، وأن يتعلم ويتفقه، والله جل وعلا يعينه ويوفقه ويهديه ، ويقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، يعني: يمنحنكم النور والبصيرة إذا اتقيتموه فقد وعدهم بتقواه أن يعطيهم النور والهداية، وأن يجعل لهم مخرجًا، وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون، وأن يجعل لهم من أمورهم يسرًا ، كل هذا من فضله وإحسانه جل وعلا، ووعدهم على الجهاد في سبيله أن يهديهم سبيله .