أما الذين تابعوا أهواءهم وتابعوا الشياطين وعصوا الرسل وانقادوا لخطوات الشيطان فهم الهالكون، هم الهالكون في الدنيا والآخرة، ومنهم المعذب في الدنيا قبل الآخرة، كما عذب الله قوم نوح بالغرق في الدنيا قبل الآخرة قبل النار مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [نوح: 25]، وهكذا عاد أهلكوا بالريح العقيم، وهكذا قوم صالح أهلكوا بالصيحة والرجفة، حتى أهلكوا عن آخرهم، وهكذا غيرهم قوم لوط أهلكوا بالخسف وأمطر الله عليهم حجارة من سجيل... إلى غير ذلك، وهكذا فرعون وأصحابه أهلكهم بالله بالغرق في البحر... إلى غير ذلك، وهكذا قوم شعيب أهلكوا بالعذاب والرجفة.
فالمقصود أن أعداء الرسل الذين خالفوهم أصابتهم النقمات والعقوبات العاجلة والآجلة، ثم مصيرهم جميعاً بعد هذا إلى النار -نسأل الله العافية-، هي موعدهم وهي مجمعهم -نسأل الله العافية-.
كل هذا من أسباب طاعة الهوى، وطاعة عدونا الشيطان، فهو عدونا جميعًا، وقبل ذلك أبوكم آدم ماذا أصابه من هذا العدو؟! آدم وحواء أبونا وأمنا أول شيء هم أصلنا، أبونا وأمنا ما الذي أخرجهم من الجنة؟! ما الذي أهبطهم من السماء؟! أسباب ذلك طاعة هذا العدو.
الله جل وعلا أباح لآدم وحواء ما في الجنة من النعيم كل ما في الجنة، كل شيء مباح إلا واحدة شجرة حرمت، فلم يزل عدو الله بهما يدعوهما إلى هذه الشجرة مع أنهما في غنية عنها لما في الجنة من النعيم والخير الكثير ما يكفي، فلم يزل بهما حتى زين لهما أنواع الحيل وأنواع المكر وزعم لهما أن هذه الشجرة إن أكلا منها حصل لهما الخلد، وحصل لهما النعيم وعدم الموت، ولم يزل يملي عليهما حتى خضعا له وأكلا من الشجرة، فمن أجل ذلك أخرجا من الجنة، وصارا إلى هذه الأرض، وصارا إلى أرض الابتلاء والامتحان قال جل وعلا: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه: 121-122]، فالله منّ عليه بالتوبة والهداية سبحانه وتعالى، وقال: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 37]، قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا [الأعراف: 23] يعني آدم وحواء.
فالمقصود أن الله جل وعلا ابتلاهما بهذا العدو القديم، فلم يزل بهما حسدًا وبغيًا وعنادًا وكفرًا حتى أوقعهما في هذا العمل، وهكذا ذريته مع أولادهما ومع ذريتهما إلى يوم القيامة.
فالعاقل وذو الحزم يحذر هذا العدو المبين، ويعلم أن أباه آدم خير منه، وأمه كذلك أمك حواء لها الفضل العظيم، ومع هذا لم تسلم وآدم لم يسلم، فاحذر أنت لا تقل أنا وأنا، لا تعجب بنفسك، احذر عدو الله، احذر عدو الله، قد وقع في شباكه وفي حبائله من هو أفضل منك، فاحذر هذا العدو دائمًا دائمًا أبدًا في ليلك ونهارك، لعلك تنجو، واضرع إلى الله واسأله الهداية والتوفيق، وتعوذ بالله من الشيطان بالحروز الشرعية، وأكثر من ذكر الله، قال تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف: 36]، فالغفلة عن ذكر الله من أسباب تسليطه، والإكثار من ذكر الله من أسباب السلامة.
وأَدِ ما أوجب الله عليك، واحذر ما حرم الله عليك، فهذا هو طريق النجاة وطريق السلامة.
وخذ بالأوراد الشرعية الأذكار بعد الصلوات آية الكرسي بعد الصلوات قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق: 1]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس: 1]، بعد كل صلاة وكررها ثلاثًا بعد المغرب والفجر، كل هذا من الأسباب الواقية التي جعلها الله أسبابًا للسلامة من هذا العدو، مع الضراعة إلى الله دائمًا بأن يعيذك منه، وأن يكفيك شره، وأن يحفظك من مكائده ونزغاته دائمًا.
ومع ذلك تأخذ بالأسباب، لا تأت أسباب الشر، لا تجالس الأشرار، ولا تكن مع الأشرار، ولا تخلو بالمرأة الأجنبية، وهكذا تبتعد عن أسباب الشر، ولا تجالس شراب الخمر، ولا تجالس أهل المعاصي، فهذا هو طريق النجاة، مع التعوذ بالله، ومع الاعتصام بحبل الله، ومع ترك المعاصي، ومع أداء الواجبات تكون حذرًا من أهل الشر بعيدًا عنهم حتى لا يجروك إلى الباطل، وحتى لا يزعجوك إليه بوساوسهم وتزيينهم وأباطيلهم ومكائدهم.
نسأل الله للجميع العافية والهداية والسلامة من كل سوء، ونسأله سبحانه أن يعيذنا وإياكم من نزغاته، وأن يكفينا وإياكم شره ومكائده، وأن يحفظنا جميعًا من كل ما يغضبه سبحانه.
كما أسأله سبحانه أن يجزي أخانا الدكتور زاهر عن محاضرته وكلماته خيرًا، وأن يضاعف مثوبته، وأن ينفعنا جميعًا بما علمنا وسمعنا، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم، وأن يعيذنا وإياهم من طاعة الشيطان، وأن يمن على الجميع بالتمسك بالشريعة والتحاكم إليها في كل شيء، والوقوف عند حدود الله أينما كنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.