وهذه الجوارح التي أنت متعت بها والله جل وعلا من بها عليك هي من نعمه العظيمة، إن شكرتها وإلا صارت وبالا عليك، ولهذا قال : وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا[النحل:78]، الطفل يعلم شيئًا؟ ما يعلم شيئًا، يخرج من بطن أمه ضعيفًا حقيرًا لا يعلم شيئًا، أعطاه الله السمع والبصر والفؤاد، لماذا؟ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون [النحل:78]، هذا السمع والبصر والفؤاد، وهو القلب، وهو مركز العقل، هذا أعطيته مددًا لك وعونًا لك على عدو الله الشيطان، وعلى نفسك الأمارة بالسوء؛ لعلك تشكر ربك الذي أعطاك هذه النعم في طاعته واتباع رسوله عليه الصلاة والسلام، ولم يهملك، بل أعطاك السلاح، أعطاك ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من الآيات البينات والأحاديث الصحيحات النيرات فيهما الدلالة لك على كل خير.......، وفيهما تحذيرك من كل شر، فإن استعملت هذه الأدوات من سمع وبصر وعقل ويد ورجل وغير ذلك في طاعة المنعم فلك السعادة ولك العقبة الحميدة، وإن أبيت إلا طاعة الشيطان والهوى واستعمال هذه الجوارح فيما يضرك وفيما يغضب الله عليك بؤت بالخيبة، والندامة وسوء العاقبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[النحل:78]، فالفؤاد يفسر بالقلب، ويفسر بالعقل، وهو القلب في الحقيقة، فؤاد الإنسان قلبه، وهو محل عقله، فالعقل من صفات قلب الحي السليم، قال جل وعلا: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46]، فجعل العقل وصفًا للقلب، ولهم صلة بالرأس والدماغ لا شك في ذلك، لكن هذا القلب هو محل عقلك، ومحل تفكيرك، ومحل كل شيء، مع ما يتصل به من الدماغ، فإن وفقك الله واستعملت هذا القلب وهذا العقل وهذا السمع وهذا البصر فيما يرضيه وفيما أرشدك الله إليه فأنت السعيد والموفق، وإن أبيت إلا طاعة الشيطان والهوى والاستعانة بالسمع على ما حرم الله وبالبصر على ما حرم الله وبالقلب والعقل على ما حرم الله فأنت قد خنت الأمانة، ولم تؤد الأمانة، ولم تشكر المولى على هذا الإحسان، فتكون لك العاقبة الوخيمة، وسوء المصير يوم القيامة؛ لأنك لم تؤد الواجب، ولم تقم بحفظ هذه الجوارح.
الخميس ١٩ / جمادى الأولى / ١٤٤٦