انتقال الأمراض بقدر الله تعالى ومشيئته

أما ما قد يقع من انتقال المرض من حيوان إلى حيوان هذا بقدر الله ومشيئته ليس من شأن الحيوان، الحيوان ما بيده شيء، وكان أهل الجاهلية يعتقدون أن الأمور تعدي بطبعها، وأن الأجرب متى وقع في الإبل الصحاح أو غيرها من الحيوانات أجربها بذاته لا بقضاء الله ولا بتقديره ومشيئته ، اعتقادهم السائد بينهم أن هذه الأمور تتنقل بطبعها ومشيئتها هي لا بمشيئة الله ، فهذا غلط واعتقاد باطل، ولهذا قال لهم النبي لما قالوا له هذا قال: فمن أعدى الأول؟ من الذي أعدى بالجرب الأول؟ فالذي أنزل بالأول هو الذي أنزله بالثاني وبالثالث والرابع والعاشر، لكن أمر سبحانه بالأسباب التي تبعده عن الشر، فإذا كان المرض المعروف أنه ينتقل الله شرع لنا ألا نخلط هؤلاء مع هؤلاء، لا نخلط الجرباء مع الصحاح، ولا المجذوم مع غيره، ولهذا قال: فر من المجذوم، وقال: لا يورد ممرض على مصح، يعني لا يورد صاحب إبل مراض بالجرب على صاحب إبل صحاح، لا هذه وحدها وهذه وحدها، من باب توقي الشر، أولًا توقي أسباب الشر، ثانيًا النفوس قد يقع فيها أشياء توهمات أخشى كذا أخشى كذا، ما يكون عنده توكل قوي، فكان في عزل هؤلاء عن هؤلاء طمأنينة للنفوس وراحة للنفوس عن توهم أن هذه العدوى صحيحة كما تقول الجاهلية، وأنها تعدي بطبعها، فشرع الله لنا تمييز هؤلاء من هؤلاء حتى لا تبقى هناك أوهام في القلوب واعتقادات فاسدة، وحتى لا نكون تعاطينا أسباب الشر مثل ما أن الإنسان يعالج بالأدوية والكي لأجل طلب الشفاء والعافية من بعض الأمراض، ويتجنب بعض الأشياء لأنها سبب، يقول له الطبيب: لا تأكل كذا، لا تشرب كذا؛ لأنها من أسباب زيادة المرض أو بقاء المرض، فيتوقى الأشياء الضارة ويتعاطى الأشياء النافعة، هذا ليس من الأدواء وليس من المحرمات، بل هذا من باب الأسباب، الله أمر بالأسباب، وتوقي أسباب الشر، وقال ﷺ: من تصبح بسبع تمرات من تمر، وفي لفظ: من عجوة المدينة لم يضره سحر ولا سم، جعل هذا من أسباب التوقي، الوقاية أفضل وخير من العلاج، يبدأ الإنسان بالوقاية، فإذا أرشده الطبيب إلى أنه لا يأكل هذا النوع من الطعام وهذا النوع من الشراب لأنه يسبب كذا ويسبب كذا تجنبه، فهكذا إذا قال الرسول ﷺ: لا يورد ممرض على مصح معناه أن خلط الإبل الجرباء مع الصحيحة أمر لا ينبغي؛ لأنه يسبب شر على الصحيحة بإذن الله ومشيئته، وقد تدخل الصحيحة مع الجرب وتسلم؛ لأن الله ما أراد إجرابها، الحاصل أن الأمور بيد الله ، فعليك أن تتوكل عليه سبحانه في كل الأمور، فإذا دعت الحاجة إلى قرب المجذوم أو إلى بقاء الجرباء مع الصحيح للحاجة فلا بأس مع الثقة بالله والاعتماد عليه وأنه بيده ، ولكن مع القدرة تميز هؤلاء عن هؤلاء، تجعل الصحاح عن جهة وفي محل آخر، والجرب على حدة، حتى تكون بعيدة عن أسباب الشر.