وبر الوالدين في كتاب الله الشفاء والكافية فيما يتعلق ببرهما، ثم جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام تؤكد ذلك فمن تدبر كتاب الله وجد فيه من الدلالة على وجوب بر الوالدين ما يشفيه، وما يحرك قلبه، وما يجعله يعتني بهذا الواجب أعظم عناية، فالله قرن حقهما بحقه ى، جعل حق الوالدين مقرونًا بحقه حيث يقول سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، فحق الله أعظم الحقوق، وهو توحيده، والإخلاص له، وعدم الإشراك به، ثم قرنه بحق الوالدين، وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، فلولا أن حقهما عظيم لما قرن بحق الرب عز وجل الذي هو أعظم الحقوق، وهو توحيد الله، والإخلاص له، وفي آية بني إسرائيل، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23-24]، قد سمعتم هذه الآيات، وقرأتموها، ويقول جل وعلا أيضًا: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14]، فجعل شكر الوالدين مع شكره ، وكل منكم يعلم ما يعانيه الوالدان في حق الولد من الصعوبات والمشاق والتعب من جهة التربية، ومن جهة النفقة، ومن جهة العلاج، ومن جهة إحضار ما يحتاجه الولد إلى غير ذلك، ولاسيما الأم، فإن مشقتها أكبر وتعبها أكثر، ولكنهما جميعًا شريكان في وجوب برهما والإحسان إليهما والعناية بحقوقهما، وإن كان حقها أعظم وأكبر حيث قال عليه الصلاة والسلام لما قال له رجل يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أبوك جعله في الرابعة، وفي اللفظ الآخر، قال: يا رسول الله! من أبر؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أباك ثم الأقرب فالأقرب هذا واضح في عظم حقها، وأنه مقدم على حقه، وكل منكم يعلم ما تعانيه من التعب أكثر مما يعانيه الوالد.
الخميس ١٩ / جمادى الأولى / ١٤٤٦