ثمرات بر الوالدين

وسمعتم أيضًا خبر الرجل الذي كان فيمن قبلنا أهل الغار، وما جرى لهم من المصيبة، وما حصل لهم من الفرج، بأسباب أعمال طيبة فعلوها، فالأعمال الطيبة سبب للسعادة في الدنيا والآخرة، والأعمال الخبيثة سبب الشقاء في الدنيا والآخرة، والعقوق من الأعمال الخبيثة، والبر من الأعمال الطيبة الحسنة، هؤلاء ثلاثة حديثهم عظيم، وفيه عظة وذكرى، ولهذا قصه النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة على الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وأنهم كانوا فيمن قبلنا، وهو حديث صحيح، رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين: أن ثلاثة دخلوا غارًا، آوهم المبيت في الليل والمطر، اجتمع عليهم الليل والمطر، فدخلوا غارًا، فلما صاروا فيه نزلت صخرة كبيرة فسدت عليهم الغار، ما يستطيعون دفعها، ما يقدرون على أن يدفعوها لعظمها، وهذه لحكمة ساقها الله من فوق الجبل حتى انحدرت بأمر الله، حتى سدت عليهم الغار، لما أراد الله من العظة، لما وقع لهم، فترادوا بينهم ماذا يفعلون، فقالوا: إنه لن يخلصكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم يعني: تلجؤوا إلى الله، وتضرعوا إليه في هذه الشدة، والشدائد لها شأن، حتى صار الكفار من قريش ومن غيرهم عند الشدائد ينسون آلهتهم ويضرعون إلى الله وحده، ويخصونه بالدعاء .

فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلًا ولا مالًا، الغبوق اللبن الذي يسقى بعد العشاء، هذا معروف عند البادية، فجئت ذات ليلة وقد نأى بي طلب الشجر، تأخرت عنهما فوجدتهما نائمين فوقفت عليهما أنتظر إيقاظهما، والقدح على يدي كرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أسقي أحدًا قبلهما، والصبية يتضاغون تحت قدمي، فلم أزل أنتظرهما حتى برق الفجر واستيقظا، فسقيتهما غبوقهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة قليلًا حتى رأوا السماء.

ولا  شك أن هذه بشرى أن الدعوة أجيبت، ثم قال الثاني: اللهم إنه كان لي ابنة عم وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني أردتها على نفسها فأبت علي يعني أرادها للزنا فأبت عليه، ثم إنها ألمت بها سنة حاجة في المستقبل، فجاءت إليه تطلبه المساعدة، فقال: لا حتى تمكنيني من نفسك، فخضعت لهذا بسبب الحاجة، وأعطاها مئة دينار وعشرين دينارًا من الذهب، فلما جلس بين رجليها خافت، وقالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فعند ذلك خاف أيضًا هو، وقام عنها، وترك لها الذهب، وقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة أيضًا زيادة لكن لا يستطيعون الخروج.

ثم قال الثالث: اللهم إنه كان لي أجراء، وأعطيت كل أجير أجره إلا واحد ترك فرقًا من شعير، أو قال: من ذرة لم يأخذه في رواية: أرز لم يأخذه، فنميته له حتى صارت منه إبل وبقر وغنم ورقيق، نمى هذا الذي عنده من الطعام حتى صار منه إبل وغنم وبقر ورقيق، ثم جاءه صاحبه يقول: أعطني حقي، فقال: كل ما ترى من حقك، كل هذا الذي ترى من حقك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: اتق الله يا عبد الله ولا تستهزئ بي، قال: إني لا أستهزئ بك، إنه مالك، خذه، فاستاقه كله ولم يترك منه شيئًا، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة كلها وخرجوا يمشون، هذه من آيات الله العظيمة في جزاء من أحسن إلى والديه وبرهما، وعف عن الفواحش، وأدى الأمانة، هذا أدى الأمانة، وهذا عف عن الفاحشة، وهذا بر والديه.

فنسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.