الفرق بين المشركين الأولين وعباد القبور المتأخرين

ومما يجب التنبيه عليه وقد نبه عليه المشايخ وهو أن ما يفعله الناس في غالب البلدان من البناء على القبور وإسراجها وتجصيصها وفرشها واتخاذ المساجد عليها أن هذا من البدع الحادثة التي أحدثها الناس، فالقبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الأرض يدفن الإنسان ويرفع قبره عن الأرض قدر شبر تقريبًا ليعلم أن هذا قبر، ولم يكن هناك بناء عليها ولا تجصيص ولا قباب ولا سرج ولا غير ذلك، هكذا كان الحال في عهده ﷺ وبعده، ثم غير الناس بعد ذلك وبنوا على القبور تقليدًا لمن قبلهم من اليهود والنصارى؛ لأن الرسول عليه السلام قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، فلهذا وقع ما وقع قلد الناس اليهود والنصارى بالبناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والقباب على القبور، وإرخاء الستور على القبور، وفرشها حتى يأتي عامي جاهل، فيقول: هذه القبور لما فعل بها هذا؟ هذه تعبد، هذه تدعا، فهي تنفع الناس ويستغاث بها، ويطلب منها المدد، فوقع الشرك بسبب ذلك، صار الكثير من العامة يأتي إلى القبور معظمًا لها، داعيًا لها، طالبًا منها المدد والغوث وشفاء المرضى والنصر على الأعداء، وهذا هو الشرك بالله جل وعلا، هذا هو الشرك الأكبر، نعوذ بالله من ذلك.

وهو واقع في الناس اليوم، يدعا الأموات من قديم ومن بعيد، كثير من الناس يدعونها من بعيد، يدعون عبدالقادر وهو في بغداد في العراق، يدعونه من بعيد، ويستغيثون به، وينذرون له، ويدعون الحسين بن علي بن أبي طالب من مكان بعيد، ويدعا البدوي من مكان بعيد، ويدعا الرسول ﷺ من مكان بعيد، كل هذا من الجهلة، ينادونهم من بعيد: الغوث الغوث، المدد المدد، النصر على الأعداء، تعلمون ما جرى في الأمة، تعلمون ما جرى فينا، ما نزل بنا، أسعفونا، انصرونا، إلى غير هذا مما يقع من الجهلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ينسون الله ويدعون هؤلاء الأموات، وإذا اشتد بهم الأمواج في البحار كذلك يسألون الموتى، ويصرخون بهم، ويستغيثون بهم؛ لإنقاذهم من البحر، لإنقاذ البواخر والسفن مما يقع فيها، وهذا شر من حال الجاهلية، فشرك الأولون أقل شركًا من هؤلاء، كان الأولون إذا نزل بهم الشدة استغاثوا بالله وحده وأخلصوا لله العبادة، كما قال الله جل وعلا: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]، هذه حال الأولين، يعني: أبا جهل وأشباهه، إذا جاءت الشدائد أخلصوا لله العبادة، أما هؤلاء المتأخرون، عباد القبور، عباد الأموات، شركهم دائم في الرخاء والشدة، شركهم في الرخاء والشدة جميعًا، صاروا شرًا من أولئك الأشرار من أولئك الكفار من هذه الناحية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.