فمن هنا صارت البدع أقبح من المعاصي وأشر، قال العلماء: إن العقبات التي يدعو إليها الشيطان ويضعها في طريق المسلم عدة، وهي في الحقيقة أمهات، ست عقبات: أعظمها الشرك بالله ، فهو يدعو إلى الشرك، الشيطان يدعو إلى الشرك ويحرص عليه، متى أدرك هذا من الناس فقد أدرك كل ما يريد، وهو إيقاعهم في الشرك بالله نعوذ بالله، وعبادة غير الله ، وقد أدرك من هذا الشيء الكثير، فقد ابتدع للناس الغلو في القبور، الغلو في الأموات، وزين للناس دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر للأموات، والطواف في القبور، فوقع الناس في الشرك إلا من عصم الله ورحم، ولهذا إذا توجهت إلى كثير من البلدان ودخلت مساجدها وجدت فيها القبور معظمة قد بني عليها، وجعلت عليها القباب والستور، وبنيت عليها المساجد، ورأيت العامة يطوفون بها ويسألونها قضاء الحاجات، ويطلبونها المدد والغوث، وهذا الشرك بالله هذا كله من تزيين الشيطان، وهذه بدعة كبرى زينها الشيطان للناس حتى رأوها دينًا، وظنوها دينًا وقربة كما فعلها الجاهليون الأولون، وقالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: 3]، وقالوا: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس: 18]، فوقعوا في الشرك الأكبر، وجعلوهم وسائط يعني الأموات والأصنام، ومن صورت على صورته جعلوهم وسائط بينهم وبين الله في قضاء حاجاتهم، وفي إمدادهم بما يطلبون، حتى انتشر الشرك في الناس، وعم بلاؤه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم يلي ذلك البدع، يلي الشرك البدع، فالشيطان حريص على البدع، يدعو إليها، ويحبذها، ويقول للناس: إنها دين، وإنها قربة، وإن هذا زيادة خير، ومن الفضل، ونسي الناس أنها قدح في الدين، وأنها اعتراض على الله، وأنها زعم في الحقيقة أن الدين ما كمل، وأنه ناقص يحتاج إلى أن يكمل بهذه البدع، والله يقول سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، فالله كمله وأتمه ، فالمبتدع زائد في دين الله، فجريمته عظيمة وشنيعة.