... وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن ونتوه، والشيخ إبراهيم بن عبدالله بالغيث، فيما يتعلق بأحكام الجنائز، وقد أحسنا وأجادا وأفادا ضاعف الله مثوباتهما، وجزاهما الله عنا وعنكم خيرًا، ونفعنا جميعًا بما علمنا وسمعنا، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا.
لا شك أن أحكام الجنائز مهمة، وأن الواجب على المسلمين أن يعرفوها؛ لأن كل إنسان وكل بيت يبتلى بهذا الأمر، والناس إلى الموت كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، فالموت طريق الناس كلهم، والدار ليست دار إقامة، وليست دار خلد، ولكنها دار زوال، ودار ابتلاء وامتحان، ودار عمل، ودار إعداد للآخرة، والموت يحل بكل بيت، فالواجب على أهل الإسلام أن يعدوا العدة، وأن يعرفوا أحكام جنائزهم حتى يعملوا بمقتضى ذلك عند وجود الموت، والواجب على كل مسلم أن يتعلم ما لا يسعه جهله من أمور دينه من أمور التوحيد والعقيدة أهم شيء، ثم أمور الصلوات، الصلوات منها أحكام الجنائز، كذلك الزكاة، صوم رمضان، حج البيت مع الاستطاعة، إلى غير ذلك مما يحتاجه الناس في معاملاتهم أيضًا، وفي مواريثهم، وفي غير ذلك، ولكن أهم شيء العبادات، وأهم شيء في العبادة العقيدة، معنى لا إله إلا الله، معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، وما هو التوحيد، ما هو الاتباع والإيمان، هذه أهم الأمور، أن تعرف أن الله إلهك، وأنه المعبود بالحق سبحانه وتعالى، وأنه المستحق للعبادة، وأنه لا يستحقها سواه جل وعلا، وهذا معنى قوله لا إله إلا الله، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]، شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:18]، وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، معناها أنه المستحق للعبادة جل وعلا، وأنه لا معبود حق سواه جل وعلا، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].
ومن تدبر القرآن حق التدبر علم مراد الله عز وجل، إذا وفقه الله واستقام فهمه فإنه يعلم من كتاب الله الخير الكثير والعلم الجم؛ لأن كتاب الله فيه الدعوة إلى كل خير، والتحذير من كل شر، وكذلك يتعلم كيف يعبد ربه كيف يصلي كيف يصوم كيف يزكي كيف يؤدي العبادات التي شرعها الله ، وما معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، وأن معناها أن الإيمان بأنه رسول الله إلى الناس عامة من الجن والإنس، والعرب والعجم، من أطاعه واتبعه فله الجنة، ومن عصاه فله النار، هذا هو أصل الدين، هذا هو أساس الملة الإيمان بالله ورسوله، والشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، والاستقامة على توحيد الله وطاعته، والحذر مما نهى الله عنه من الشرك والمعصية، فالمؤمن يجاهد نفسه في هذه الحياة أبدًا حتى يلقى ربه، يجاهدها على توحيد الله وطاعة الله، اتباع شريعة الله والسير خلف رسول الله عليه الصلاة والسلام في الأقوال والأعمال.