ومما ينبغي أن يعلم أن الذين أحدثوها يسمونها بدعة، ويعرفون أنها بدعة فيما علمت واطلعت عليه يقول: نعم إنها بدعة، ولكنها بدعة حسنة، يقولون: إنها بدعة حسنة، ومن أين لهم أن في البدع شيئًا حسنًا، والنبي يقول: كل بدعة ضلالة هكذا كلامه عليه الصلاة والسلام، قاعدة كلية جامعة مانعة كل بدعة ضلالة، ويقول في خطبته عليه الصلاة والسلام: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، هكذا رواه مسلم في الصحيح يقوله النبي في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام، ويقول فيما روت عنه عائشة في الصحيحين رضي الله عنها يقول صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، من أحدث في أمرنا، يعني: في ديننا هذا، ما ليس منه فهو رد، يعني: فهو مردود، ويقول أيضًا عليه الصلاة والسلام: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد، أي: فهو مردود، خرجه مسلم في صحيحه، وعلقه البخاري في الصحيح جازمًا به.
ويقول في حديث العرباض بن سارية: إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، فلا يجوز لأحد بعد هذا أن يقول: إن البدع تنقسم إلى: بدعة حسنة، وإلى بدعة سيئة، بل يجب أن تكون كلها ضلالة، ومن قسم البدع إلى: واجب، ومحرم، ومستحب، ومكروه، ومباح، فقط غلط، غلطه العلماء المحققون، وبينوا أن هذا خطأ هذا التقسيم، فجميع البدع كلها ضلالات، وما وقع مما يسمونه بدعة حسنة ليس من البدع في شيء، ليس جمع المصحف فقد جمعه أو أمر بكتبه النبي ﷺ، ثم جمعه الصديق الخليفة الراشد ومعه عمر، ثم جمعه عثمان في المصاحف حتى لا يضيع على الناس، فليس هذا بدعة، بل هذا من حفظ كتاب الله عز وجل والعناية به، وهكذا ما يوجد من البيوت والمدارس وتعليم القرآن وتعليم السنة كل هذا ليس من البدع، بل هو من إحياء العلم وإظهار السنن والدعوة إلى الحق كما يدعا إلى هذا في المساجد، توجد مدارس تعين على ذلك ويحصل بها توجيه المسلمين وإرشاد شبابهم إلى الحق والهدى.
المقصود أنه ليس في الإسلام بدعة حسنة، فكل البدع ضلالة، وما قد يتعلق به بعض الناس ويقول: إن بدعته حسنة كله غلط ليس في الإسلام إلا البدعة الضلالة التي نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام، و........ من قول عمر في التراويح: "نعمة البدعة" لما رآهم يصلون على إمام واحد قال: "نعمة البدعة" هذا معناه في اللغة؛ لأن البدعة في اللغة ما ليس له مثال سابق تسمى بدعة، والله جل وعلا قال: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [البقرة:117] يعني أنه خلقها سبحانه على غير مثال سابق، فهو ابتدعها وفطرها وأنشأها، وكان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يصلون أوزاعًا في المسجد يصلي الرجل لنفسه والرجل للرجلين والثلاثة والخمسة والأكثر والأقل ثم جمعهم النبي ﷺ وصلى بهم ليالي جميعًا في التراويح ثم ترك ذلك، وقال: إني أخاف أن تفرض عليكم صلاة الليل، خاف أن تفرض عليهم فترك ذلك لئلا تفرض عليهم، فلما توفي انقطع الوحي وأمن الناس الفرض واستقرت الشريعة وصارت المسائل واضحة ليس فيها خطر الفريضة؛ لأن الشريعة استقرت بموته ﷺ وانقطاع الوحي وقول الله : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] فتم الدين وأكمله الله، فعند ذلك أحياها عمر وجمع الناس على إمام واحد رضي الله عنه وأرضاه، وصاروا يصلون جميعًا ليالي رمضان على إمام واحد في مسجده عليه الصلاة والسلام، فليس هذا من البدع، بل هو سنة فعلها النبي ﷺ ودعا إليها، وقال عليه الصلاة والسلام: من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.
المقصود أنه ليس هناك شبهة يتعلق بها في الحقيقة وقد قال الله في كتابه العظيم: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، فيبين سبحانه أن هناك قومًا قد يتعلقون بالمشتبهات يريدون الفتنة والضلالة بسبب الزيغ الذي في قلوبهم.
فنسأل الله ألا يجعلنا وإخواننا من أصحاب الزيغ، ونسأل الله أن يعافي الذين ابتلوا بهذه البدعة، وأن يتركوها خوفًا من الله وتعظيمًا له، وألا يكونوا من أهل الزيغ، نسأل الله أن لا يجعلنا من أهل الزيغ، نسأل الله لنا ولهم الهداية، فإن الكثير منهم لبس عليه الأمر وغلط وفعله عن جهل، وبعضهم قامت له شبه فظن أنها أدلة فتعلق بها، وبعضهم جعل هذا تقليدًا لغيره من غير شبهة ولا دليل، فنسأل الله أن يمن عليهم بالبصيرة والهدى، وأن يردهم إلى الحق والصواب، وألا يجعلنا وإياهم من أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه منه.