الطلاق البدعي

ومما يجب التكرار فيه والتنبيه عليه مسألة الحيض والنفاس والطهر الذي يطأ فيه، هذه أحوال ثلاثة للمرأة ينبغي فيها عدم الطلاق، بل يجب ألا يطلق فيها، يحرم عليه الطلاق فيها؛ لأن النبي ﷺ أنكر على ابن عمر ما طلق في الحيض، وقال: ليطلقها طاهرًا أو حاملًا قبل أن يمسها، فأمره بذلك، وأمره أن يراجعها، ثم يمهلها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم يطلق إن شاء قبل أن يمس، قال: فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء هكذا قال عليه الصلاة والسلام يفسر هذا بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]، قال العلماء معنى لِعِدَّتِهِنَّ يعني: طاهرات من غير جماع أو حوامل أو طلاقها في طهر جامعها فيه أو في الحيض أو في النفاس، فهذا ينهى عنه ولا يجوز إيقاع الطلاق في ذلك، وأكثر المطلقين إلا من شاء الله لا ينظر في ذلك ولا يبالي، بل متى عن له الطلاق طلق، ومتى قدر طلق، ولا ينظر في حالها هل هي حائض أو نفساء أو في طهر جامعها فيه أو حبلى، لا ينظر في ذلك، بل ينفذ مقتضى غضبه ومقتضى إرادته ومشيئته من دون نظر إلى أحكام الله وإلى شرعه، وهذا لا يجوز أبدًا، بل يجب عليه الحذر من ذلك، أما كونه يقع أو ما يقع هذا فيه خلاف بين أهل العلم وأكثر أهل العلم أنه يقع، أكثر أهل العلم يقولون يقع في الحيض، وفي النفاس وفي طهر جامعها فيه، وذهب بعض أهل العلم المحققين إلى أنه لا يقع وعليه التوبة إلى الله من ذلك وعدم العود إلى مثل هذا المحرم، وهكذا الطلاق بالثلاث جميعًا أنت طالق بالثلاث مطلقة بالثلاث هذا محرم لا يجوز، وقد بلغ النبي ﷺ أن رجلًا فعل ذلك فأنكر هذا وغضب وقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم، فدل ذلك على أنه لا يجمع الطلاق بالثلاث بل واحدة بعد واحدة هذه السنة، يطلق واحدة فإن كانت عن رضا وعن رغبة فالحمد لله تكفي، وإذا بلغت العدة وانتهت تزوجت من شاءت بعد العدة، وإن أحب الرجوع إليها رجع في العدة من دون مشقة من دون زوج جديد من دون مهر جديد، فليراجعها في العدة لقول الله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ [البقرة:228]، يعني: أزواجهن أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [البقرة:228]، في ذلك من العدة، فالأزواج لهم حق الردة في العدة ما دام الطلاق رجعيًا إن أراد بالرد الإصلاح فإن كان الطلاق رجعيًا واحدة أو ثنتين فله مراجعة العدة من دون حاجة إلى تجديد نكاح ولا مهر إذا أراد الإصلاح بها وعدم إضرارها، أما إذا طلقها الطلقة الأخيرة الثالثة فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجًا غيره؛ لأن الله قال سبحانه: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ[البقرة:230] أي بعد الطلقة الثالثة، وهذا الزوج الذي ينكحها لا بد يكون شرعيًا يكون نكاحه شرعيًا لا تحليلًا، فأما نكاح التحليل فهو لا يصح ولا يكفي ولا يجزئ فصاحبه ملعون، نعوذ بالله، الرسول لعن المحلل والمحلل له، وسماه التيس المستعار، فلا يجوز التحليل ونكاح التحليل باطل لا يحلها لزوجها الأول ولا بد أيضًا من وطئها إذا تزوجها نكاح رغبة لا بد أن يطأها حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها لا بد من هذا، فلو عقد عليها وطلق ولم يطأ ما نفع هذا النكاح ولا يحلها للزوج الأول حتى يطأها الزوج الثاني في نكاح رغبة لا في نكاح تحليل، وأما إذا طلقها جملة بالثلاث فالجمهور على أنها تقع أكثر أهل العلم على أنها تقع وتحرم عليه بذلك حتى تنكح زوجًا غيره، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها لا تقع إلا واحدة، وهذا هو الأرجح والأظهر؛ لأنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام  أنه كان الطلاق الذي في عهده طلاق الثلاث واحدة، وهكذا في عهد الصديق ، ثم في أول عهد عمر كان الطلاق بالثلاث واحدة يعني بكلمة واحدة كان يجعل واحدة ثم رأى عمر إنفاذها على الناس لما تسارعوا في هذا رأى إمضاءها عليهم فأمضاها أكثر من بعده رحمة الله عليهم، وذهب جمع من أهل العلم إلى أنها لا تقع إلا واحدة بالطلاق الثلاث مجموعة أنت طالق بالثلاث أو مطلقة بالثلاث، أما إذا قال: أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أو طلقها اليوم ثم طلقها غدًا ثم طلقها بعد غد تقع الثلاث عند أهل العلم.