وسمعتم ما يتعلق بالطلاق في الحيض والنفاس كما تقدم، والواجب على المؤمن أن ينظر ويتأمل ولا يعجل، كذلك ما سمعتم ما يتعلق بالطلاق المعلق وطلاق السكران وطلاق المكره وطلاق الهازل وطلاق المريض هذه أمور تقع للناس كثيرًا فينبغي تفهمها جيدًا، فالمكره كما سمعتم الذي أكره بالضرب أو التهديد بالقتل بما يظن إيقاع به فطلق من أجل الإكراه دفعًا للإكراه خوفًا من تنفيذ ما توعد به تهدد به فهذا مثل ما سمعتم لا يقع طلاقه؛ لأنه ملجأ لهذا الطلاق، كما أن من أكره على الكفر لا يكفر بسبب إكراهه عليه كما قال سبحانه: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل:106]، فهكذا المكره على الطلاق إذا طلق تبعًا للإكراه ولم يرد فارقها ولكن يريد التخلص فهذا لا يقع.
وهكذا السكران على الراجح إذا طلق في حال سكره وهو لا يعقل فهو كالمجنون فلا يقع طلاقه، وعليه التوبة إلى الله مما فعل من السكر، فالسكران يجلد ويضرب ويؤدب التأديب الشرعي والحد الشرعي ثمانين جلدة، ولا بأس أن يعاقب بأزيد من ذلك لأن الرسول ما حد فيه حدًا لا يتجاوز عليه الصلاة والسلام بل جلده بالجريد والنعال وجلده وزاد فيه الصحابة أربعين أخرى فصارت ثمانين، ونفى عمر بعض الناس إلى بلاد أخرى، فالحاصل أن هذا البلاء العظيم الذي وقع اليوم في الناس كثيرًا يحتاج إلى عناية، فالسكر اليوم غلب على كثير من الناس -نعوذ بالله-، وكثر منهم ذلك، فهم في حاجة إلى أن يزاد في تأديبهم، وأن يسجنوا حتى لا يؤذوا الناس، وحتى لا يستمروا في هذا البلاء العظيم الذي أفسد عليهم عقولهم، وأفسد عليهم أحوالهم وأموالهم ودينهم ونساءهم، وربما أفسد أولادهم أيضًا، فإن الأولاد يقتدون بأبيهم -نعوذ بالله- إلا من شاء الله إلا من رحم ربك، فهذا بلاء عظيم، والواجب على المسلمين التناصح في هذا الأمر التناصح والتواصي والحذر من هذا البلاء الذي هو من أقبح المحرمات كما قال الله فيه سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:90-91]، والنبي ﷺ لعن في الخمر عشرة، عشرة ملعونون في الخمر، نعوذ بالله، لعن الخمر وشاربها وساقيها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها، هذا بلاء عظيم فيه اللعن وفيه غضب الله ، وصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: إن على الله عهدًا أن من مات وهو يشرب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: يا رسول الله! ما هي طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار، أو قال: عرق أهل النار، هذا يدل على خبث هذا العمل، وأن فساده كبير في الدنيا وعاقبته وخيمة -نعوذ بالله-، ولكن إذا وقع منه ذلك لا تجمع عليه العقوبتان عقوبة الجلد وتوابعه وعقوبة الطلاق ولكن تكفي العقوبة الشرعية التي شرعها الله في جلده وعقابه بما يتعلق بالزيادة عن الجلد من سجن وغيره، أما الطلاق إذا ثبت أنه وقع في حال تغير عقله فإنه لا يقع كالمجنون والمعتوه الذي لا يعقل، فإن طلاقهم لا يقع، نسأل الله السلامة والعافية.
أما المريض فطلاقه يقع إذا كان يعقل ويفهم لم يغلب عليه المرض ولم يغير عقله فطلاقه يقع مريضًا كان مرضًا شديدًا أو خفيفًا ما دام عقله معه فطلاقه يقع، لكن إذا اتهم بأنه قصد حرمان الزوجة مثلما سمعتم ترث منه معاملته بنقيض قصده إذا قصد بالطلاق حرمانها فإنه يعامل بنقيض قصده وتورث ويقع الطلاق، فلو مات لم يرثها وإذا مات هو ترثه عقوبة له بنقيض قصده.
نسأل الله للجميع العافية والسلامة.