ثم من القواعد العظيمة أن يراعي الإنسان العواقب كما بين لكم الأستاذ عبدالرحمن، لا يقدم حتى ينظر في الأمر، إذا كان الأمر قد يكون له سيئة فلينظر، فإن كان إنكاره لهذا المنكر يزيله ويقضي عليه وليس بعده مخلفات أسوأ منه فليبادر بما أعطاه الله من السلطة وينكر ذلك ويزيله، أما إن كان يرى بما أعطاه الله من العلم والبصيرة بأهل قريته وقبيلته ونحو ذلك أنه إذا أنكر هذا المنكر ترتب عليه ما هو أنكر من قتال بينهم وسفك دماء أو وجود منكر أشد وأخبث من هذا المنكر ترك ذلك إلى وقت آخر حتى لا يفتح باب شر أكبر من هذا المنكر، ولهذا الأصل العظيم أمر الرسول ﷺ بألا يخرج على السلطان إذا رأى إنسان معصية، بل يكره ما يرى من معصية الله ولا ينزعن يدًا من طاعة؛ لأن الخروج على السلاطين بسبب وجود معصية يسبب شرًا كثيرًا ومفاسد كثيرة وقتالًا لا تعلم عاقبته، فلهذا لما سألوا النبي ﷺ عن ذلك قال: من رأى من أميره شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية ولا ينزعن يدًا من طاعة، وقال لما سألوه: ماذا يفعلون؟ قال: أعطوهم حقهم، واسألوا الله الذي لكم.
فالمقصود أن إنكار المنكر والأمر بالمعروف يحتاج إلى سياسة شرعية، وإلى علم وبصيرة، ولهذا قال سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108]، فلا بد من العلم والبصيرة والنظر في العواقب حتى إذا أقدم أقدم على علم وعلى بصيرة وعلى أساس متين في زوال المنكر وحصول المعروف.
وسمعتم أيضًا أن من القواعد العظيمة أن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأنه إذا كان يترتب على مصلحة مفاسد كثيرة فوقها ترك المفاسد التي تجلبها هذه المصلحة فسد الباب وترك هذه المصلحة درأ للمفسدة، فإنكار المنكر مصلحة ومعين ولكن إذا كان يترتب عليه ما هو أشر وما هو أفسد ترك ذلك من باب درء المفاسد وجلب المصالح، وارتكاب أدنى المفسدتين أو المفاسد بتفويت كبراهما، أو الشيء الكبير منها، وهكذا المصالح إذا كان هناك مصالح مزدحمة ولكن لم يتيسر حصولها جميعًا فإن المؤمن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعي إلى الله يعتني بالمصالح الكبرى بوجودها والتحبيذ لها والعناية بها وإن فاتت بعض المصالح الصغرى.
ثم الناس في هذا أقسام في ....... وقوتهم وما أعطاهم الله من العلم، فكل واحد عليه أن يستعمل قدرته بالحكمة وبالأسلوب الحسن وبالنظر في العواقب على حسب ما أعطاه الله من القوة والعلم، ثم صاحب البيت له حال غير صاحب البيت له حال الإنسان في بيته له سلطة في إنكار النكر غير سلطة البعيد عن ذلك، وأمير القرية ورجل الحسبة ورئيس العشيرة ورئيس القبيلة لهم سلطان غير سلطان أفراد الناس، ولهذا قال النبي ﷺ: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.