الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة فيما يتعلق بأحكام الربا، وقد تولاها: فضيلة الشيخ صالح بن علي الناصر، وفضيلة الشيخ حمد ....... وقد أجادا وأفادا وبينا الكثير من أحكام الربا، فجزاهما الله خيرًا، وضاعف مثوبتاهما، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا، ورزقنا جميعًا العمل بما علمنا وبما سمعنا من الخير.
لا ريب أن الأمر كما قال الشيخان، أمر الربا عظيم وخطره كبير وصوره كثيرة ومتنوعة، وقد غلط في ذلك كثير من الناس، والطمع والهوى وقلة العلم وضعف الدين كل ذلك يحمل على التساهل فيما حرم الله عز وجل، والنفوس ميالة إلى الحرام وإلى المال بكل طريق، ولذلك تقع صور كثيرة من أنواع الربا في معاملات الناس تارة جهلًا وتارة عن قلة مبالاة وعن طمع في المال، والله جل وعلا شدد في الربا -كما سمعتم- وعظم أمره، فأحل البيع وحرم الربا، وأخبر أن آكل الربا يقوم يوم القيامة كالذي يتخبطه الشيطان من المس، كالمجنون الذي يخنق، نعوذ بالله من ذلك، عقوبة عاجلة عند قيامه وبعثه يوم النشور، وبين جل وعلا أن الربا حرب لله ولرسوله فقال سبحانه: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279]، وفي الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء، فالربا شأنه خطير، وقال عليه الصلاة والسلام: اجتنبوا السبع الموبقات، يعني: المهلكات، قلن: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، فبين عليه الصلاة والسلام أن أكل الربا من جملة السبع الموبقات الكبائر الموبقة المهلكة، نعوذ بالله من ذلك.
قد سمعتم بعض ما فيه من المفاسد والأضرار قال بعض أهل العلم: إنه تعبدي، يعني تحريمه تعبدي لا تعقل علته، وقال آخرون: بل علله ظاهرة فيما يفضي إليه من الأضرار الكثيرة الفردية والاجتماعية على الفقير وغير الفقير.
وسمعتم بعض أضراره وما يفضي إليه من تحميل الفقراء الديون الكثيرة والإثقال عليهم، وكذلك إفشال الاقتصاد وتعطيل الناس، وجعلهم يتكلون على ما لهم من الأموال في البنوك الربوية، ويضيعوا ما ينبغي من العمل والجد والنشاط في أعمال المكاسب والمصانع والخيرات الأخرى التي تنفع الناس، فضرر الربا على المجتمع والفرد كبير جدًا، والله جل وعلا ما يحرم شيئًا إلا لما فيه من الأضرار، وهو حكيم عليم لا يحرم شيئًا عبثًا ولا ينهى عنه عبثًا، وإنما يحرم ما يحرم وينهى عما ينهى عنه وإنما يشرع ما يشرع لحكم عظيم وأسرار بديعة قوية لها شأنها ولها أثرها على الفرد والمجتمع، علمها من علمها وجهلها من جهلها.