ويجتمع هذا فيما تفعله البنوك، فإن أكل ستين ألفًا بخمسين ألفًا هذا فيه ربا الفضل وربا النسيئة جميعًا، فالكمبيالة التي يفعلونها وذكرها لكم الشيخ حمد ........ كونه يأتي بها وهو حريص يريد ما فيها من مائة ألف أو مائتي ألف أو أكثر ولكن البنك يعتذر فيقول له: أعطيك عنها خمسين عما فيها من الستين، أعطيك تسعين عما فيها من مائة ألف، أعطيك تسعمائة ألف عما فيها من المليون، فهذا فيه ربا الفضل وربا النسيئة جميعًا، فهو يعطيه الأقل ويأخذ الأكثر إلى الأجل المحدود الذي يوفي صاحبه فيه، فهذا من باب ربا الفضل وربا النسيئة جميعًا، وفيه من ضعوا وتعجلوا، فيه نوع من هذا، ولكن متى ضعوا وتعجلوا نوع آخر أيضًا غير هذا ولكن هذا يدخل فيه في المعنى؛ لأنه وضع وتعجل على وجه الربا فلا يجوز ذلك.
وأما المسألة المشهورة في ضعوا وتعجلوا فهي غير هذه، وهي أن يكون لك عند زيد مثلًا مائة ألف ريال وهو معسر فتقول له: يا عبد الله أنا في حاجة إلى مالي وأنت معسر، فأنا أطرح لك بعض هذا المال ولعلك تجد ما يسددني، فإذا كانت مائة ألف أنا أرضى منك بثمانين أو بسبعين وأسامحك في الباقي نظرًا لحاجتك ونظرًا لفقرك ونظرًا لحاجتي إلى هذا المال، فيتفقان على أنه يضع عنه بعض الشيء وهو يجتهد في إعطائه الباقي من المائة ألف مثلًا أو من المليون مثلًا، هذه ضعوا وتعجلوا جمهور أهل العلم وأكثرهم على تحريمها إلحاقًا لها بالربا، وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنها تجوز؛ لأن فيها إحسانًا إلى المدين، وفيها أيضًا مصلحة لصاحب الدين صاحب الحق، فهو يأخذ بعض حقه ويستفيد والمعسر يسقط عنه كمية كبيرة من دينه وإبراؤه منها، فهذه مسألة يقال فيها ضعوا وتعجلوا، ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما أراد إجلاء بني النضير من اليهود في المدينة قالوا: يا رسول الله إنا لنا ديون عند الناس، قال: ضعوا وتعجلوا، وفي إسناده نظر. واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم وجماعة، وقالوا: إن هذا فيه مصالح للطرفين، صاحب المال ينتفع بهذا المال الذي يأخذه ويستفيد منه بدلًا من تعطله، والمدين ينتفع بما أسقط عنه من الدين، كونه مائة ألف ثم أسقط عنه عشرين أو ثلاثين أو أقل أو أكثر ينتفع بهذا ويبرؤه فهو ضد الربا، الربا زيادة وتثقيل ومشقة وهذا ضد الربا تيسير وتسهيل، فهو يضع عنه قسطًا من هذا الدين الذي أعسره وشق عليه، ويأخذ منه ما تيسر من هذا الدين الذي قد يجده قرضًا من أحد قد يجده هبة من أحد رحمة له إذا وضع عنه هذا الدين فهذا قد يجده المعسر لحرصه على براءة ذمته واغتنام هذه الفرصة التي فيها مسامحته وهذا القسط الكبير من هذا الدين العظيم.
فالصواب في هذا جواز هذه المسألة، وهي غير مسألة الكمبيالة، هذه شيء وهذه شيء، ولهذا خشيت أن يظن بعض الناس أن هذه مثل هذه، فهذه المسألة وما قاله الشيخ حمد صحيح، فإن بيع خمسين بستين أو بيع التسعمائة بمليون على صاحب البنك فيقول: أنا أعطيك كذا وأرضى بالحوالة وأخذها في وقتها كاملة هذا ربا فضل وربا نسيئة جميعًا، أما المعسر الذي عليه الدين وسامحه صاحبه وأسقط عنه جملة من هذا الدين وعجل له بعضه وتسامحا وتبراءا فهذا فيه مصالح للطائفتين والطرفين، فالأصح والأرجح جوازه وإن كان خلاف قول الأكثرين كما سبق.