الفرق بين مسألة العينة والتورق

ومسألة العينة والتورق هاتان المسألتان يقع فيها الناس كثيرًا، وقد نبه الشيخ صالح على ما يتعلق بهما، فهما مسألتان كثيرتا الوقوع جدًا، فالعينة سمعتم بيانها وهو أن يشتري الإنسان سلعة إلى أجل بثمن مؤجل، ثم يبيعها على صاحبها الذي اشتراها منه بثمن معجل، وهذا وقع في عهد الصحابة، كان زيد بن أرقم قد اشترى غلامًا بثمانمائة درهم ثم باعه على صاحبة بستمائة درهم نقدًا، فهذا يقال فيه مسألة العينة، وكانت عائشة رضي الله عنها لما بلغها هذا أنكرت ذلك وبينت أن هذا من الربا، وأن فعل هذا إبطال للجهاد مع الرسول ‘، وكان قد خفي هذا المعنى على من فعله، وفي الحديث في صحته نظر، لكن على سبيل وتقدير صحته فهذا من جنس مسألة العينة، وهو أثر عن عائشة عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنهما أن أم ولد زيد بن أرقم باعته غلامًا بثمانمائة درهم إلى أجل ........ ثم اشترته بستمائة نقدًا لينتفع بهذا، فهذه من جنس مسألة العينة وهي محرمة ومنكرة، وجاء فيها حديث جيد: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم، فهذا مما يتعلق بالعينة، وهي بيع عين بدين، يبيع مثلًا سيارة أو أكياس سكر أو غير ذلك إلى أجل معلوم، ثم بعد ذلك يقول للبائع: إن كنت تريد بيعها أنا آخذها منك بنقد، أو يقول المشتري: أنا أبيعها كلها بنقد فيتفقان على نقد، باعها بعشرين يقول: أعطني  ........ بستة عشر ألف لأني محتاج للدراهم، فهذه العينة مثل ما تقدم في قصة أم ولد زيد بن أرقم، هذه يقال لها: العينة، ومعناها أنه باع دراهم بدراهم، وجعل السلعة واسطة حيلة، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل، فالسلعة التي باعها بألف إلى أجل ليس له أن يشتريها بستمائة أو بثمانمائة نقدًا ممن بائعها؛ لأن هذا يكون حيلة على بيع ستمائة بألف، فهو باعها عليه بألف إلى أجل، ثم اشتراها بنقود أقل من ذلك لينتفع به مشتري السلعة التي اشتراها وباعها الذي اشتراها بألف مؤجل عليه إلى أجل معلوم، ثم بعد ذلك أخذها البائع بستمائة درهم وبثمانمائة درهم أقل من الألف؛ لأن هذا محتاج إلى الدراهم فأعطاه الدراهم وبقي له ألف مؤجل في ذمة هذا المشتري إلى أجل معلوم، وصارت الحقيقة أنه أعطاه بثمانمائة بألف إلى أجل هذه الحقيقة والسلعة لا قيمة لها سيارة أو غيرها ليس لها قيمة وإنما دخلت بمعنى الحيلة.

لكن هذا الذي اشترى السلعة إلى أجل إذا باعها على الغير شخص آخر تأتي مسألة التورق، ويسميها الناس الوعدة، فإذا اشترى سلعًا إلى أجل لأنه محتاج يتزوج أو يوفي دينه أو يعمر له بيتًا فاشترى سلعًا إلى أجل سيارة أو سيارات إلى أجل معلوم ثم قبضها وباعها على الناس بالسوق أو على شخص معين بأقل من ذلك أو بأكثر أو مساوي فهذا لا حرج فيه؛ لأنه ما باعها على صاحبها حتى يكون دينًا بعين، بل هذه مداينات مثل مداينات المسلمين، وقد تنازع فيها العلماء وقال بعضهم: أنها لا تجوز وأنها من جنس العينة، ويروى هذا عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه واختاره بعض المحققين رحمة الله عليهم، ولكن الأكثر على أنها جائزة، التورق وهي التي يسمونها الناس الوعدة، تشتري سيارة إلى أجل، أو أكياس سكر أو رز أو غير ذلك إلى أجل معلوم، ثم تقبضها، ثم تبيعها على الناس بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين تبيعها على الناس بنقود حتى تقضي حاجتك حتى تتزوج حتى تقضي دينا عليك حتى تعمر بيتك إلى غير ذلك من الحاجات الأخرى فهذه الصواب فيها والأرجح فيها أنه لا بأس بها لكن بعد القبض، لا يجوز لك أن تشتري منه شيئًا ما هو عنده، يقول: نعم أبيع السيارة بكذا وكذا وما عنده سيارة، يروح يشتري من الناس ثم يبيع، هذا لا يجوز النبي قال: لا تبع ما ليس عندك، ونهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فليس لك أن تشتري شيئًا ليس عند البائع، وإنما اشتر بعد ذلك، وقد قاله حكيم قال حكيم بن حازم للنبي: يا رسول الله الرجل يأتيني يريد السلعة وليست عندي فأبيعها عليه ثم أذهب فأشتريها؟ قال النبي ﷺ: لا تبع ما ليس عندك، وقال عليه الصلاة والسلام: لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام في حديث زيد بن ثابت يقول زيد أن النبي نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فإذا اشتريت سلعة عند أخيك في بيته في دكانه في متجره حاضرة سيارة موجودة أكياس موجودة معلومة سكر أو رز أو نحو ذلك إذا اشتريتها وهي موجودة عنده إلى أجل معلوم فلا بأس، ثم أنت تقبضها ولا تبيعها بعد ذلك لا تبعها وهي عنده، قول بعض الفقهاء أنه يكفي أن يعدها ونحو ذلك هذا قول مرجوح، والصواب أنه لا بد من النقل مع العد يعدها وينقلها جميعًا؛ لأن النبي ﷺ أمر بالنقل وقال: لا تبع ما ليس عندك، وقال: لا يحل سلف وبيع ........ ولا بيع ما ليس عندك، ونهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فقبضها يجمع الأمرين على الصحيح، يجمع عدها إن كانت معدودة، ونقلها إلى مكان آخر غير مكان البائع حتى لا تقع الشبهة، وحتى لا يقع التلاعب، فإنها إن كانت في محل البائع أفضى ذلك إلى فساد كبير، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى حتى يقبض قال ابن عباس رضي الله عنهما: ولا أحسب كل شيء إلا مثل الطعام، وقال في هذا دراهم بدراهم والطعام مرجأ، يعني الدراهم بالدرهم والطعام مؤخر مرجأ في محل يتناوله بيعات كثيرة وهو مرجأ قد يفسد ويخرب وهم كلهم لا يعرفون ذلك ........

فالواجب أنه ينقله فإذا اشترى السلعة ينقلها إلى السوق إلى بيته إلى دكانه، ثم بعد ذلك يتصرف، وإذا بقي فقد يفسد الطعام ولا يشعر به، قد يفسد الشيء الآخر ولا يشعرون به، قد يتحيل البائع ........ فيتلاعب بالبيع ويلزم المشتري لأن السلعة تغير سعرها فيكون في ذلك تلاعب ومشقة، ثم المشتري قد يؤخرها ثم يبيعها على الآخر والآخر يبيعها على الآخر فيحصل التلاعب ويحصل فساد المبيع، ثم لا يعلم من كان فساده في زمانه هل هو في زمان هذا أو في زمان هذا أو في زمان هذا وهل السلعة موجودة على الحقيقة أو كذب وتدليس إلى غير هذا من الفساد، فلا بد من نقلها بعد علمها، تعلم وتنقل إلى مكان آخر إلى السوق أو إلى بيت المشتري أو إلى دكانه ونحو ذلك، قال ابن عمر رضي الله عنهما: "كنا نضرب إذا اشترينا الطعام حتى ننقله إلى رحالنا"، نضرب حتى ينقلوه من أعلى السوق إلى أسفله، ومن أسفله إلى أعلاه، حتى تنقطع علقة البائع، ولا يبقى له علقة البائع، تنتهي المشكلة بالكلية، وهذا يعم السيارات، ويعم السكر، ويعم الرز، ويعم جميع السلع التي تباع، فإنها لا يصح بيعها من مشتريها حتى ينقلها وحتى يحوزها إلى رحله عملًا بالأحاديث كلها وقضاء على أنواع الفساد الذي أشار إليه ابن عباس وغيره وأشار إليه أحد الشيخين في الندوة.

فالمقصود أن هذا أمر مهم ينبغي التنبه له، وقد توسع الناس في هذه الوعدة التي حرمها جمع من أهل العلم، توسعوا فيها توسعًا كثيرًا، فصاروا يتصرفون ويبيعون والسلعة موجودة عند البائع يشتريها هذا وهذا وهذا وهذا وهي مرجأة مؤخرة يعتريها من الفساد والشر ما يعتريها، ومع مخالفة النصوص بالأمر بنقلها، و........ وضبطها قبل أن يبيعها على المشتري.

نسأل الله أن يوفق الجميع لمراضيه.