ومما ينبغي أن يعلم أنه إذا سقط الوجوب عن زيد أو عمرو لأنه يخاف أو عاجز بسبب ضعفه وعدم مبالاة الناس به وأنهم لا يبالون بنهيه وأمره أو لأنه مثلا ممنوع من إنكاره باليد أو ممنوع من إنكاره باللسان يكون عذرًا له؛ لأنه لا يستطيع، لكن لو أنه صبر وتبرع وأنكر المنكر لأنه يرى أن سكوت الناس قد غلب عليهم وأنه متى سكت هو وأمثاله كثر هذا المنكر فإنه يؤجر على صبره واحتسابه، كما صبر أحمد رحمه الله لما أظهر المأمون ومن كان معه من المعتزلة الدعوة إلى أن القرآن مخلوق، قام العلماء فأنكروا ذلك وبينوا للناس أن هذا قول باطل، وأن القرآن كلام الله، ومن صفاته ، وهو ليس بمخلوق، الله بصفاته غير مخلوق، هو الخلاق جل وعلا وليس بمخلوق ، فهو بعلمه وكلامه وسائر صفاته هو الخلاق وما سواه مخلوق، فلما أقدم بعض الولاة من بني العباس المأمون وأخوه المعتصم والواثق بن المعتصم أقدموا على هذا الشر وعابهم الناس بذلك، وأنكروا عليهم، عوقب من عوقب من العلماء الذين أقدموا وأنكروا ولم يبالوا فكفوا، وبعضهم تأول تأويلات رأى أنها تريحه من هذا الأمر وتكون عذرا له، وآخرون لم يروا ذلك ولم يتأولوا ولم يبالوا بهذا الوعيد، منهم أحمد رحمه الله فإنه صبر ولم يزل يقول القرآن كلام الله غير مخلوق، فضرب وسجن ولم يبال بذلك، وأعز الله به الدين، ونصر به الحق بهذا الصبر العظيم، وساعده على ذلك إخوانه في الله ، قالوا بقوله وذهبوا مذهبه لكنهم لم يتحملوا العذاب ولكنه تحمل هو وصبر في ذلك .......، من أهل العلم والإيمان قبله وبعده صبروا على الحق أوذوا كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشيخ محمد بن عبدالوهاب وغيرهم، صبروا على الحق والأذى ولم يبالوا في إظهار الحق، بل صبروا ودعوا إلى الله وأرشدوا الناس ولم يبالوا بتهديد المهددين، ولم يبالوا بتعذيب المعذبين، لما كانوا على بصيرة، وكانوا على هدى قد دعوا إلى الله على بصيرة وعرفوا أن هذا شيء إذا تركوه بسبب التهديد أو بسبب الخوف تركه الناس، وظهر الشر، واختفى الخير، فلا بد من قائم لله ينكر المنكر، ويوضح الحق حتى لا يختفي الحق، وحتى لا يظهر الباطل، وحتى لا يظن الناس أن هذا أمر مجمع عليه وهو باطل، فالحاصل أنه متى سقط عنه الوجوب بقي في حقه التطوع والسنة، والصبر على ما فيه الخير للمسلمين وما فيه إنكار الباطل إذا تحمله وصبر عليه.
الخميس ١٩ / جمادى الأولى / ١٤٤٦