وهم تابعوا الشيطان، وساروا في حزبه وجنده لعداء الحق وبذل المستطاع في حربه وحرب أهله، وعلى رأسهم الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنهم بذلوا كل ما يستطيعون للقضاء على دعوته عليه الصلاة والسلام، والحيلولة بينه وبين نشر الدين، وإظهار الإسلام في مكة والمدينة، ولكنه عليه الصلاة والسلام صبر واحتسب، صبر غاية الصبر، صبر على أذاهم في بدنه، وفي غير ذلك في بدنه وفي أهله وفي غير ذلك، وصبر أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، ولم يزل على هذا الصبر العظيم والجدال بالتي هي أحسن، وإظهار الحق والدعوة إليه رغم ما هناك من العقبات الكثيرة حتى اضطروه إلى الهجرة ...... أذن الله له بالهجرة لما صمموا وجمعوا أمرهم على قتله، فأنجاه الله من بين أظهرهم، وخلصه من شرهم وكيدهم، فيسر له الهجرة إلى المدينة المنورة، فأظهر دين الله هناك، وصارت له الدولة والسيادة هناك، ثم قام سوق الجهاد بينه وبينهم، وصارت الحروب بينه وبينهم سجالًا يدال عليهم ويدالون عليه، حتى جعل الله له العاقبة الحميدة، وأيده عليهم، وأظهره عليهم، وفتح عليه مكة، حتى دخلوا في دين الله أفواجًا، جاءهم الإسلام في بلادهم وفجأهم في بلادهم حتى دخلوا في دين الله أفواجًا، وهذه الأمور التي أخبر الله بها المسلمين مما سمعتم ومن غير ما سمعتم، فمن ذاك الوقت إلى يومنا هذا كلها ليبلو الله هؤلاء بهؤلاء، وهؤلاء بهؤلاء، وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ [الفرقان:20]، وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168]، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [الأنعام:53]، يمتحن الله هؤلاء بهؤلاء، وهؤلاء بهؤلاء، حتى يظهر فضل المؤمنين وعلو همتهم ونشاطهم في الحق وجهادهم في سبيله، فتعظم أجورهم، وترتفع منازلهم، ويعلي الله أقدارهم، وتكون لهم العاقبة الحميدة، ويهدي الله بأسبابها من يشاء من عباده.
الخميس ١٩ / جمادى الأولى / ١٤٤٦