وهؤلاء المشركون والكفار من عهده ﷺ وبعده من الوثنيين واليهود والنصارى وسائر أنواع الكفر يحملهم أمور على هذا العناد، وهذا المكر، وهذا التحدي، يحملهم عليه أمور كثيرة منها تعظيمهم لآبائهم وأسلافهم، .......، وتقليدهم لهم، وكراهة أن ينسب أولئك الآباء أنهم كانوا على الباطل، وبهذا كانوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23]، كانوا يدلون بهذه الحجج الباطلة، ويقول لهم عليه: أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ [الزخرف:24]، ولكنهم لا يقبلون، بل يصرون على أن يبقوا على ما هم عليه من الباطل تقليدًا لأسلافهم الذين صاروا في عبادة الأوثان وعلى الكفر والضلال، ويأبون أن يرجعوا عن هذا الباطل إلى الحق الواضح تعظيمًا للأسلاف كما قال أبو طالب في شعره المعروف:
فلولا أن نجيء بسبة | تجر على أشياخنا في المحافل |
لكنا اتبعناه على كل حالة | ...... |
أو كما قال في شعره وقال أشعارا أخرى:
لولا الملامة أو حذار مسبة | لوجدتني سمحًا بذاك مبينا |
فهم بهذا يحامون على أسلافهم وآبائهم، ويريدون ألا يجروا عليهم سبة، ويقال: إنهم كانوا على باطل وهذا الذي أرادوا لم يحصل لهم، بل وقع بيان باطلهم وظهر أنهم كانوا على غير هدى، فما حاروا عليه وخافوه قد وقع، وعلم الناس، واتضح للناس بطلان ما عليه آباؤهم وأسلافهم، ومما يحملهم على الباطل غير التقليد الأعمى لأسلافهم وتعظيم أسلافهم محبتهم لرياستهم، ومآكلهم، وتنعمهم لعامة الناس، فهم يرون أنهم إذا أسلموا يكونون أتباعًا، وهم في كفرهم رؤساء وقادة، يعظمهم العامة والسواد فيهم، ويتبعونهم على الباطل وغيره، فهم يرون أنهم متى دخلوا في الإسلام زالت عنهم هذه الرياسات، وهذه المآكل، وهذه الأشياء التي يتخيلونها عظيمة في أنفسهم، فيظنون أنهم إذا أسلموا ذهب عنهم هذه الأشياء، أو ذهب عنهم بعضها، وهناك أسباب أخرى يخشونها، وهم ما هم عليه من الباطل الذي اعتادوه من شرب الخمور وتعاطي الفواحش والقمار والربا وغير ذلك، وهم إذا دخلوا في الإسلام منعوا من هذه الأشياء وحرمت عليهم هذه الأشياء، فيأبون أن يدخلوا في الإسلام ليبقوا على معاصيهم وفواحشهم، وما يتعاطونه من الربا، والمآكل الباطلة، والفواحش، وشرب الخمور، وغير ذلك.
وهكذا اليهود يعرفون محمدًا ﷺ وأنه رسول الله، وعندهم في التوراة بيانه، وفي الإنجيل بيانه، وهم كانوا يستفتحون على كفار قريش وعلى غيرهم؛ لأن هناك نبي يبعث منكم من العرب نقاتلكم معه فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ [البقرة:89-90]، هم يعرفون أن محمدًا رسول الله.
وسمعتم ما قال حيي بن أخطب لأخيه ....... قال: هو هو؟ قال: نعم هو هو، يعني محمد النبي ﷺ الموعود به، قال: وما عندك؟ قال: عداوته أبدًا. هذا الذي عنده هم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِين [البقرة:89]، فهم عرفوا أنه محمد، وأنه حق، وأنه جاء بالهدى، ولكن يرون أنهم متى تابعوه ذهبت عنهم رياساتهم ومآكلهم، وتقليد العامة لهم، واتباعهم لهم، فهم يرون أن هذا شيء كبير عليهم، ويريدون أن تبقى لهم هذه السيادة في عامتهم، وأن يقال فيهم: كذا وكذا، فإذا أسلموا ذهبت عنهم تلك الأشياء.
ثم الحسد أن تكون النبوة في العرب بدل بني إسرائيل، فعندهم حسد، وعندهم عداوة وبغضاء، وعندهم دنيا يخشون عليهم، وتقليد للعامة لهم إلى غير هذا من الأسباب الكثيرة التي حملتهم على البغي والعدوان والكفر والإنكار، نسأل الله العافية، هم عملوا المكائد التي أرادوا بها الكيد للإسلام ونبي الإسلام، ولكن الله أبطلها، وهم لا يزالون إلى يومنا هذا اليهود والنصارى وغيرهم هم لا يزالون يبذلون كل مستطاع لتضليل المسلمين، ولإخراجهم من دينهم، ولتشكيكهم في دينهم بكل ما يستطيعون، تارة بالكلام في القرآن، وتارة بالكلام في الرسول ﷺ، وتارة بالكلام في التشريع وأنه شديد، وأنه كذا وأنه كذا، وتارة بأنه لا يصلح لهذه العصور، ولا يصلح إلا لعصور مضت، إلى غير هذا مما يقول أعداء الله، كل ذلك للصد عن سبيل الله، ولإخراج الناس من دينهم من النور إلى الظلمات.