ثم تقول: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] يعني: غير صراط المغضوب عليهم، وغير صراط الضالين، المغضوب عليهم قوم علموا ولم يعملوا، علموا ولكن لم يعملوا، حادوا عن الحق اتباعًا لأهوائهم، كاليهود وأشباههم علموا الحق وعرفوا أن محمدًا حق وأن دينه حق ولكنهم حادوا عن ذلك للهوى، وهكذا زعماء الكفرة في كل زمان ومكان يحيدون عن الحق لاتباع أهوائهم، وخوفًا من زوال أغراضهم، وعدم حصولها لهم، أغراضهم العاجلة الدنيوية كما جرى لأبي جهل في عهد قريش، أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وعقبة بن أبي معيط وكبرائهم هم يعرفون أن محمدًا صادق عليه الصلاة والسلام ولكن حملهم الهوى والحسد كما حمل اليهود الحسد على ترك الحق كما قال : قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33].
وقال سبحانه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، وقال في حق فرعون: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ [الإسراء:102]، فأعداء الله من رؤساء الكفرة في زمن محمد وقبله يعرفون الحق ولكنهم يحيدون عنه لاتباع الهوى وإيثار حظوظهم العاجلة، فلا ينبغي لك يا عبد الله أن تكون من هؤلاء، ولا أن تقتدي بهؤلاء، وهكذا من بعدهم من رؤساء الضلالات أكثرهم يعرفون الحق ثم يحيدون عنه، وقد تلبس عليهم الأمور وتختلط عليهم الأمور حتى يعتقدوا الحق باطلًا والباطل حقًا بسبب أعمالهم السابقة يزيغون عن الحق، فإن من عقوبة من زاغ عن الحق أن يولى عن الهدى فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5].
وهكذا الضالون طريقهم هذا طريق الهلاك، وهم الذي لا يفهمون الحق، ولا يطلبونه، ولا يتفقهون في الدين، ولا يسألون، بل راضون بما هم عليه من الجهالات والضلالات، كالنصارى وأشباههم من عباد السوء، والمعرضين عن الحق، راضون بما هم عليه من دنياهم وشهواتهم وحظوظهم العاجلة وعباداتهم الباطلة على منهج آبائهم وأسلافهم الضالين، لا يتفهمون، ولا يتعلمون، ولا يسألون، ولا يتبصرون، فأنت تسأل الله أن يبعدك عن طريق هؤلاء وهؤلاء، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] غير المغضوب عليهم الذين عرفوا وعلموا ولكن تركوا الحق للهوى وللرياسة ولغير ذلك، وغير طريق الضالين الذين حادوا عن الحق جهلًا وضلالًا وقلة مبالاة وغفلة عن الحق، نسأل الله العافية.
فالمقصود أن الله جل وعلا بعث محمدًا ﷺ بالهدى ودين الحق، بالهدى وهو العلم النافع والأخبار الصادقة، ودين الحق الشرائع المستقيمة والأحكام العاجلة، قد جاء بها نبينا عليه الصلاة والسلام، علم نافع وعمل صالح هذا هو الهدي ودين الحق، فعليك أن تستقيم عليه بسلوك ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وذلك باتباع أصحاب النبي ﷺ، فإنهم حملة الدين حملوه عن نبيهم عليه الصلاة والسلام، وهكذا أتباعهم بإحسان، عليك أن تستقيم عليه وأن تثبت عليه، وإن اشتبه عليك فتدبر كتاب ربك، تدبر القرآن تدبر السنة، واسأل أهل العلم الذين تعرفهم بالحق والهدى، تعرفهم بالاستقامة، تعرفهم بالبعد عن أسباب الضلالة حتى يرشدوك إلى ما أشكل عليك، والله جل وعلا بين في كتابه أسباب الهدى وأسباب السعادة، ونهى عباده عن أسباب الهلاك، فعليك أن تقرأ كتاب ربك، فالله يقول سبحانه: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، ويقول : أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، ويقول سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9].
فعليك أن تعتني بكتاب الله، وأن تدبر كتاب الله، وأن تعقله، حتى تستفيد وتفيد، وعليك بالسنة، سنة النبي الصحيحة عليه الصلاة والسلام في سيرته وأخلاقه وأعماله وما درج عليه، ففي سيرته الهدى والبيان لما أشكل في كتاب الله كما قال الله سبحانه: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، فهو مبين عن الله، وهو مرشد عن الله عليه الصلاة والسلام، وأصحابه تلقوا عنه العلم، وتفقهوا عليه عليه الصلاة والسلام، ثم أخبروا الأمة بما حملوه عنه من الأحاديث القولية والفعلية عليه الصلاة والسلام، فأخذها عنهم التابعون، ثم أتباع التابعين بإحسان إلى يومنا هذا، وهي موجود بين أيدي العلماء وأهل العلم، فعليك أن تعنى بكتاب ربك وسنة نبيك عليه الصلاة والسلام، وترضى بما رضي الله به ورسوله ورضي به أهل الحق والإيمان والهدى من أهل السنة والجماعة.
وعليك أن تحذر البدع والمخالفات والأهواء التي ما أنزل الله بها من سلطان، ففي هذا تحصل لك النجاة، وتحصل لك السعادة، كان النبي ﷺ في خطبه يقول: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، هكذا يقول للناس في الجمعة عليه الصلاة والسلام في خطبه، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.