الأغاني وعظم خطرها

فإن الموضوع قد يغتر به بعض الناس، ويقول: إنه سهل، وهو موضوع الأغاني، الأغاني شرها عظيم، وهي مفسدة للقلوب، ومن أسباب ميلها إلى الباطل، ومن أسباب تثاقلها عن الحق، ومن أسباب ضلالها وبعدها عن الهدى، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولهذا حكى غير واحد من أهل العلم إجماع أهل العلم على تحريم الأغاني، وذكر أن من شذ عن ذلك من أجاز بعض الأغاني أو بعض الأشعار القليلة التي تسمى أغاني أن هذا لا يعتبر بخلافه، أما إذا كان معها آلات الملاهي من الكمان أو العود أو الموسيقى أو غير ذلك فإنها محرمة بالإجماع، نسأل الله السلامة.

ومما يدلك على شدة خطرها قوله سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6] يشتري: يعني يعتاض، قد يشتريه بالمال، قد يشتري الأغاني بالمال، قد يشتريها بالمال ليهلك نفسه، وقد يأخذها بدون مال، قد يعطاها بدون مال، وقد يحضرها بدون مال، وهذا على سبيل الذم والعيب لمن فعل ذلك، قال أكثر المفسرين: إن المراد بلهو الحديث هو الغناء، وما يصحب ذلك من آلات الملاهي، انظر ماذا قال بعد ذلك قال: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ[لقمان:6]، فجعل شراء لهو الحديث واعتياض هذه الأغاني من أسباب ضلاله عن سبيل الله، قرئ ليَضل وقرئ لِيُضِلَّ، فدل على أن هذا الذنب وهذه المعصية من أسباب الضلال والإضلال، أي ليضل بنفسه وليضل غيره أيضًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وهو لا يشعر، تعاطى هذه المعصية فضل وأضل وهو لا يشعر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا [لقمان:6] يعني سبيل الله بسبب الأغاني واعتياده له قد يجره ذلك إلى أن يستهزئ بالدين، يستهزئ بالإسلام، وبما حرم الله، وبما أوجب الله، قد يجره هذا البلاء إلى الاستهزاء والسخرية والضحك من الدين وأهله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهذه آفة أخرى، وشر آخر غير المبالاة والإضلال، هذا من نتائج الضلالة والإضلال، وهو الاستهزاء.

ثم ذكر شرًا آخر، وبلاء آخر، ثالثًا، فقال: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا [لقمان:7]، يعني هذا مما يجر أيضًا، هذا الغناء يجر إلى التثاقل عن سماع القرآن والاستكبار عن سماع القرآن، كأنه لم يسمع كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا، فإذا فتح المذياع على الغناء ارتاحت نفسه واطمأن إلى هذا واستمع وضحك وظهر عليه البشر، وإذا جاءت الآيات أغلق ما يحب أن يسمع، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذا من البلاء العظيم من العقوبات العظيمة.