ثم بعد ذلك لك في الصلة مصالح مع الدين دنيوية مع مصلحة الدين ورضا الرب والسلامة من النار ومن غضب الله وقطيعته لك، لك مصالح في هذه الدار، يقول ﷺ في الحديث الصحيح: من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره، وفي اللفظ الآخر: في أجله فليصل رحمه، وصلة الرحم مثراة لك في مالك، من أسباب كثرة المال، وبسط الرزق، ومن أسباب طول العمر، والبركة فيه، والأعمار لها آجال محدودة؛ لكن هناك آجال جعلها الله تطول بسبب صلة الرحم، وما علمه سبحانه من كون هذا يصل وأخرى قطعت وقصرت، لما علم الله جل وعلا من كونه قاطعًا ولأعماله بعد وجودها، فالمقصود أن كل شيء بعلم الله وبقدره السابق سبحانه وتعالى، فهذا مضى في قدر الله أنه واصل، وهذا مضى في قدر الله أنه قاطع، وعلى كل واحد أن يعمل، وكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، فعلى المؤمن أن يأخذ بالأسباب التي شرعها الله ، ويبتعد عن أسباب الشر.
وفي لفظ آخر فيما يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منساة في الأجل، هذه صلة الرحم، مصالح عاجلة وآجلة، وهي من الأعمال الصالحات، ومن الواجبات، ومن أسباب بركة العمر وطول العمر، وبركة المال، وبسط الرزق، ... ينبغي للمؤمن أن يكون فوق ذلك، وألا يرضى بالنمام الذي ينم ويقول: قالت أمك، وقال أبوك، وقالت أختك، وقال فلان، وقال فلان؛ حتى يكدر القلوب، وحتى يسبب القطيعة، من جاء بهذه النميمة لا يلتفت إليه، بل يقال له: لا تفعل هذا، ولا تأتني بمثل هذا، كثيرًا ما يكون وقوع القطيعة بسبب هذه الكلمات القبيحة التي ينقلها الناس، ثم لو ثبتت كن فوق ذلك تسامح.
وقد سمعت الحديث الذي ذكره المشايخ ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها، هذا الواصل، إذا كان الواصل المكافئ مثل الأجانب إذا أعطاك أعطيته هذا مثل الأجانب، الهدية تكافئ الصلة تكافئ حتى من الأجنبي، لكن المهم أن تكون فوق ذلك، وأن تصل قريبك وإن قطعك، هذا هو المطلوب، وهو المشروع، ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها رواه البخاري في الصحيح.
فلا تكن مكافئًا فقط، بل كن فوق ذلك، تصل من وصلك ومن قطعك جميعًا، هكذا مذهب أهل السنة والجماعة يصلون من قطعهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويصبرون على الأذى، قال : وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]، هكذا يكون المؤمن يكظم الغيظ ويعفو، يقول جل وعلا: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، ويقول: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، ويقول النبي ﷺ: ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا.
فلا تقطع رحمك من أجل كلمة قالها فلان أو فلان، وكن عظيم الرغبة فيما عند الله، حريصًا على صلة الرحم، بعيدًا عن أسباب قطيعته، وأعظم الرحم الأبوان: الأب، والأم، ثم الجد، والجدة، هم أصل الرحم، وقطيعة الوالدين هو العقوق، قطيعة الوالدين تسمى العقوق، والعقوق هو أكبر القطيعة، ثم يليه ما بعد ذلك من الأولاد والإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم.
ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لما قال له رجل: يا رسول الله! من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب، فالمؤمن يتحمل الأذى في سبيل الله، ويتحمل الأذى في سبيل صلة رحمه وبر والديه، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال -كما جاء في الصحيحين-: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئًا فجلس، وقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور.
فعقوق الوالدين قرين الشرك، كما أن برهما قرين التوحيد، فالعقوق من أكبر الكبائر، ثم يليه القطيعة لبقية الأقارب، فالعقوق هو أعظم القطيعة وأكبر القطيعة، فإن الوالدين هما أصل الرحم، وهما أحق الناس ببرك وإحسانك، قال تعالى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، فأعظم الأرحام وأولاهم بالبر وأحقهم بالإحسان والداك، ثم الأقرب فالأقرب من أولاد وإخوة وغير ذلك.