الصفات المطلوبة في الأجراء

والواجب على العامل أن ينصح وأن يتقي الله والا يخون من استعمله، أن يكون قويًا في عمله، أمينًا في عمله، ولهذا سمعتم قصة موسى مع صهره يقول جل وعلا: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ۝ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:23-24]، يعني موسى عليه الصلاة والسلام فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ۝ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:25-26]، رأت منه قوة وأمانة، فلهذا قالت ما قالت، ذكر أهل التفسير من القوة أنه رفع حجرًا عظيمًا عن الماء لا يرفعه إلا عدد كبير من الرجال، وذكروا من الأمانة أيضًا أنها كانت تمشي أمامه وكانت الرياح تعبث بثيابها فقال: ارجعي ورائي، كوني ورائي وإذا اخطأت الطريق فارمي لي بحجر حتى أعرف الطريق، هذا مما قيل من جهة الأمانة، والحاصل أنها رأت منه شيئًا دل على القوة والأمانة، ولهذا قال: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26]، فلما أخبرته بذلك أخبرت أباها قال له ما قال من جهة تزويجه قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي [القصص:27] يعني: نفسك ثَمَانِيَ حِجَجٍ [القصص:27] يعني: ثمان سنين، الحجة السنة فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ [القصص:27] يعني: زيادة تفضل منك وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [القصص:27].

فالمقصود أن صاحب مدين استأجر موسى ثمان سنين على أن هذه الأجرة تكون مهرًا لابنته ويتزوجها موسى على هذا المهر، وهو أجرة الرعاية ثمان سنين، وصاحب مدين قيل: إنه شعيب، كما سمعتم في الندوة، قاله بعض المفسرين، والمشهور عند المحققين أنه ليس هو شعيب النبي ولكنه آخر؛ لأن زمن النبي شعيب كان متقدمًا، كان قبل موسى بسنين طويلة، وكان قريبًا من عهد لوط عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال الله جل وعلا عنه: وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ [هود:89].

قال ابن كثير رحمه الله: ما هو ببعيد لا زمانًا ولا مكانًا، فكان شعيب وأمته قد مضوا قد ماتوا قبل دهر، وكان في مدين غير شعيب، قيل: إنه شعيب آخر، وقيل: شخص آخر، فالحاصل أن هذا الرجل الصالح استأجر موسى على هذه الأجرة المعروفة التي هي رعاية الغنم ثمان سنين، قال ابن عباس: لما سئل هل تم العشر؟ قال: إنه تم أوفى الأجلين، وهو العشر عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن هذا من العمل وهي الرعاية رعاية الغنم رعاية الإبل رعاية البقر هذا عمل يستحق عليه الأجر، فالواجب على المستأجرين العمال أن يؤدوا الأمانة، وأن ينصحوا، وأن يكونوا أقوياء في أعمالهم يخافون الله ويراقبونه، وأن يكونوا أمناء لا يخونون صاحبهم لا في بيته وأهله ولا في عمله الذي أسنده إليه، بل يتقون الله في هذا كله، وهذا هو الواجب على جميع العمال.

ومن هذا يتضح أن استئجار الكفرة بعيد عن هذا الأمر؛ لأنهم لا يؤمنون، وقد استأجر بعض عمال عمر في العراق رضي الله عنهما كاتبًا نصرانيًا استكتبه ووظفه فأنكر عليه عمر ذلك، وقال: "لا تأمنوهم وقد خونهم الله، ولا تقربوهم وقد أبعدهم الله، استأجر حنيفًا مسلمًا" استكتب حنيفًا مسلمًا.

فالمقصود أن الواجب على المسلمين من الملوك والأمراء وأعيان الناس وعامتهم الواجب عليهم تقوى الله، وأن يحذروا ما نهى الله عنه ، وأن يبتعدوا من شر الكفرة اليهود والنصارى والبوذيين أو غيرهم من أنواع الكفرة، وأن يحرصوا على استقدام المسلمين واستعمال المسلمين، ثم عليهم أيضًا أن ينتقوا من المسلمين، ليس كل مسلم ينبغي أن يستقدم بل ينبغي أن ينتقوا؛ لأن هناك من يدعي الإسلام وليس من الإسلام في شيء، فالواجب على من وكل في هذا أو من يتولى هذا الأمر أن يختار وأن يسأل أهل الخير، وأن ينتقي في عمله من المسلمين من هو معروف بالاستقامة والديانة والأمانة والخير، فلا يستقدم الكفرة، ولا يأخذ من المسلمين من لا يبالي بل ينظر ويعمد وكيله أو بنفسه هو حتى لا يستقدم إلا إنسانًا طيبًا إلا مسلمًا طيبًا ملتزمًا يصلي ويخاف الله ويراقبه، لا يستقدم من هب ودب ومن يدعي الإسلام، بل ينتقي وينظر ويتأمل ويسأل ولا يعجل، وإذا كان المستأمن موكلًا فليتق الله ولا يخون صاحبه بالرشوة يعطى رشوة ويستقدم من هب ودب، هذا منكر عظيم وشر كبير، وإذا وقعت الخيانة في الأمور فسدت الأمور -نعوذ بالله-، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، والله يقول عن المؤمنين وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8].