أما استقدام النصارى أو غيرهم من الكفرة لهذه البلاد فهو لا يجوز، والندوة لم تعرج على موضوع الجزيرة العربية، هذا شأنه لو كانوا في غير الجزيرة في الشام أو في مصر أو في العراق أو غير هذا من المناطق التي هي خارج الجزيرة العربية، أما الجزيرة فليس لأحد استقدام الكفرة إليها، ولا ينبغي أن يغتر بما وقع من الناس، فقد نهى النبي عن هذا عليه الصلاة والسلام في آخر حياته، وأمر بإخراج الكفرة، وقال فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلمًا رواه مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أوصى النبي ﷺ بإخراج الكفار من هذه الجزيرة جزيرة العرب، أوصى بإخراجهم أين كانوا يهود أو نصارى أو وثنيين أو أي جنس كانوا أوصى بإخراجهم عليه الصلاة والسلام.
فهذه الجزيرة العربية لا يجوز استقدام الكفار إليها ليجلسوا فيها ويقيموا مدة طويلة، كان عمر يحدد لهم ثلاثة أيام إذا قدموا للتجارة في كل مكان في أي بلد يقيمون ثلاثة أيام لئلا يستقروا عند المسلمين، ولئلا يتضرر بهم المسلمون، وهكذا ....... يقيمون بقدر الحاجة، وهم الرسل الذين يأتون إلى ولي الأمر من البلاد البعيدة يأتون إلى الجزيرة يقيمون بقدر الحاجة التي يؤدون بها الرسالة.
ذكر بعض أهل العلم أنه يجوز لولي الأمر أن يستقدم من تدعو الضرورة إلى استقدامه ولا يوجد من يغني عنه من المسلمين، واحتجوا بأن الرسول ﷺ أقر اليهود في خيبر يحرثونها ويزرعونها لأن المسلمين مشغولون بالجهاد لما فتحوا خيبر، وهذا وإن كان له وجه من جهة النظر لكن الرسول ﷺ بعد ذلك أمر بإخراجهم لما استغنى عنهم أمر بإخراجهم، وقال: لأخرجن اليهود والنصارى من هذه الجزيرة وأوصى بإخراجهم، وأخرجهم عمر بعد ذلك رضي الله عنه وأرضاه.
فالحاصل أنه يجب الحذر من استقدام الكفار من عامة الناس، وعلى ولي الأمر أيضًا ألا يستقدم إلا من تدعو له الضرورة القصوى في أمر مهم من طب أو غيره تدعو الضرورة إليه، وإلا فالواجب الحذر من استقدامه لهذه الجزيرة العربية التي هي مهد الإسلام ومنبع الإسلام ومطلع شمس الرسالة وفيها الحرمان الشريفان، فالواجب ألا يستقدم لها إلا أهل الإسلام.
أما في غير الجزيرة في مصر والشام والعراق وباكستان وغيرها من المناطق والأقاليم هذا هو محل التحرز من الكفار، ويجوز استقدامهم فيها ويجوز عملهم فيها لكن مع الحذر ومع تقديم المسلمين عليهم ومع الحرص على اختيار من يكون أنفع في العمل وأنصح في العمل إلى غير ذلك مما ينبغي فيه النظر، أما هذه الجزيرة فيجب منع استقدام الكفار إليها والحذر من ذلك، وألا يستقدم من جهة ولي الأمر ألا من تدعو الضرورة إليه -الضرورة القصوى-، وأما ما فعله الناس اليوم فهو خطأ عظيم وشر كبير وترتب عليه شر كبير أيضًا.