حقيقة التقوى.. وآثارها على الفرد والمجتمع

لها آثار عظيمة في نفع أهلها وفي مجتمعهم في الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فإن أهل التقوى ينالون بذلك رضا الله جل وعلا، وعظيم مثوبته، وحسن الأحدوثة في الدنيا، والذكر الجميل، وينال المؤمنين من أسبابهم التأسي بهم والسير على منهاجهم والاقتداء بهم.

فالمؤمنون يقتدي بعضهم ببعض، ويتأسى بعضهم ببعض، وعلى رأسهم إمام المتقين ورسول رب العالمين محمد بن عبدالله عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، فهو إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وقائد المجاهدين ورسول رب العالمين عليه الصلاة والسلام، فقد كان رأس المتقين وإمامهم، وأكملهم إيمانًا وتقوى وهدى وعلمًا وعملًا عليه الصلاة والسلام، ومع هذا يقول الله له: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب: 1] يأمره بالتقوى وهو على رأس التقوى؛ ليلزمها؛ وليستقيم عليها؛ وليأتمر بها أتباعه من المؤمنين؛ وليأخذوا بها.

وحقيقة التقوى: هي اتقاء غضب الله، واتقاء عقابه، بالإخلاص له وتوحيده وإفراده بالعبادة، وأداء فرائضه، وترك محارمه، والوقوف عند حدوده، والجهاد في سبيله، والدعوة إلى ذلك، والتواصي بالحق والصبر عليه، هكذا التقوى، وهكذا يكون المتقون.

والله بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم يدعون الناس إلى التقوى، إلى توحيد الله وطاعته، إلى الإيمان به، إلى ترك محارمه، إلى أداء فرائضه، وهذه هي التقوى. يقال للمتقي: المؤمن، ويقال له: الصالح، ويقال له: المهتدي، ويقال له: المفلح. وحقيقة الأمر واحدة، وهي أن كل من امتثل أمر الله ورسوله وانتهى عما نهى الله عنه ورسوله عن إيمان وصدق وإخلاص لله ورغبة بما عنده ووقف عند حدوده فهذا هو المتقي، وهو المؤمن، وهو المهتدي، وهو المفلح.

وسمعتم قوله سبحانه في أول سورة البقرة: الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2] يعني: هذا الكتاب العظيم جعله الله هدى للمتقين يهدي الله به المتقين، يعني: يهدي الله به الناس حتى يكونوا متقين مؤمنين.

ثم ذكر بعض صفاتهم فقال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ۝ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:3-5].

فأهل التقوى هم أهل الفلاح هم أهل السعادة.

وهكذا قوله سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: 1] قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس: 9] قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى: 14] هم أهل التقوى هم أهل الإيمان والهدى.

فالواجب على كل عاقل وعلى كل من تهمه نفسه بل على كل مكلف من الذكور والإناث أن يلتزم التقوى، وأن يحاسب نفسه، هل تخلق بها؟! هل أدى حقها؟! هل هو ملتزم بها؟! حتى ينال فضلها في الدنيا وثوابها في الآخرة.

فإن التقوى من أسباب نجاحه في الدنيا، ومن أسباب سعادته، ومن أسباب توفيق الله له، وهداية الله له، وكفايته شر الناس، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2-3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق: 4] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق: 5] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا يعني نورًا وهدى  وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال: 29].

فالمتقون هم أهل السعادة في الدنيا والآخرة، فهم في الدنيا على نور وعلى هدى، ويفرّج الله لهم الكربات، وييسر لهم الأمور، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، ويعطيهم من النور والهدى والبصيرة ما ليس لغيرهم، وفي الآخرة لهم الجنات والكرامات في دار النعيم بين يدي رب العالمين جزاء ما فعلوا وما قدموا من طاعة وعمل صالح فضلًا من الله وإحسانًا جل وعلا.