بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة القيمة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ عبدالرحمن بن حماد العمر، والشيخ سعود الفنيسان، والشيخ عبدالله بن ريان في موضوع التبرج والسفور، وما يتعلق بهما، ولقد أجادوا جميعًا وبينوا ما يجب حول هذه المعصية الخطيرة، وما يترتب عليها من أنواع الشرور، فإن التبرج والسفور من جملة المعاصي التي فشت في الناس في الخارج والداخل وكثر الكلام فيها لعظم خطرها ولكثرة ما يترتب عليها من الشرور والعواقب الوخيمة، وقد بين المشايخ ضاعف الله مثوبتهم حكم هذه المسألة، وما يترتب عليها من الشرور والفتن، فأجادوا وأفادوا، جزاهم الله خيرًا، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا، ورزق الجميع العمل بما سمعنا وعلمنا.
ولا ريب أن النصيحة لها أثرها العظيم في قلوب المؤمنين، يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: الدين النصيحة، وفي اللفظ الآخر كررها ثلاثًا لعظم شأنها وشدة الحاجة إليها الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله! قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فالنصيحة لها شأنها العظيم وأثرها الكبير في تحريك القلوب إلى الخير وزجرها عن الشر، وفي إيقاظ الهمم العالية إلى أسباب السلامة، وإلى أعمال الخير، وإلى القضاء على وسائل الشر، والتذكير بالله، وبيان أحكامه، وإقامة الأدلة على ذلك كله من النصيحة، ولهذا يقول جل وعلا: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات: 55]، ويقول جل وعلا: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية: 21]، يعني النبي عليه الصلاة والسلام، فالأنبياء مُذكِّرون يُذكرون الناس بما فطرهم الله عليه من حب الخير وتوحيد الرب عز وجل ووجوب طاعته والتمسك بما شرع، فإن الله فطر العباد على هذه الملة على ملة الإسلام على الخير، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا، وحرمت عليهم ما أحل الله لهم كما في الحديث الصحيح: يقول الله : إني خلقت عبادي حنفاء يعني أهل توحيد «فاجتالتهم الشيطان عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا» رواه مسلم في الصحيح، وفي الحديث الآخر في الصحيحين: ما من مولود يولد إلا على الفطرة، وفي لفظ من ألفاظه: إلا على هذه الملة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه الحديث.
فالرسل بعثوا ليذكروا الناس بتوحيد الله وطاعته والقيام بحقه ولزوم ما أمرهم به والانكفاف عما نهاهم عنه، فأجاب الأقلون وأعرض الأكثرون، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهم مبشرون ومنذرون، مذكرون ومبشرون ومنذرون، ولهذا يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب: 45-46]، ويقول سبحانه: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21]، فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى: 9]، وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، ويقول : رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165].
فالرسل بعثهم الله لينذروا الناس، لينذروهم أسباب غضبه وعقابه، وليبشروهم بالسعادة وأسبابها وعاقبتها ونهايتها، وهكذا خلفاؤهم العلماء يذكرون بما جاءت به الرسل، ويبشرون بما جاءت به الرسل من الدعوة إلى الخير وما وعد الله به أهل الطاعة والاستقامة من الكرامة ودار النعيم والفوز العظيم في دار الجنة، وينذرون الناس ما وعدهم الله به من العذاب الأليم لمن خالف أمره وارتكب نهيه.
وقد سمعتم ما ذكر المشايخ من خطر التبرج والسفور، وأن التبرج: إظهار المرأة محاسنها ومفاتنها حتى يطمع فيها من في قلبه مرض، والمفاتن والمحاسن منوعة: تظهر تارة وجهها، تارة شعرها، وتارة يديها، وتارة سيقانها، وتارة بعض فخذها، وتارة صدرها، وتارة ملابسها، وتارة غير ذلك، وتارة بالقول، قال جل وعلا: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب: 32]، فالخضوع بالقول وتكسيره والتغنج في الكلام من أسباب طمع أصحاب القلوب المريضة بالشهوات المحرمة، والواجب أن تتكلم كلامًا معروفًا قال: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب: 32] صوتها ليس بعورة إذا سلم من الخضوع، إذا كان قولًا معروًفا معتادًا وسطًا بين الفحش في القول ووسطًا بين الخضوع فلا خضوع ولا فحش.