فالواجب على أهل الإسلام الحذر، ولاسيما في هذا العصر عصر الغربة والشدة وعصر دعاة النار من كل جانب ومن كل جهة ومن كل أفق، فالواجب على أهل الإسلام ولاسيما في هذه الدولة الدول الإسلامية كلها والدول الإسلامية على وجه أخص دولة الحرمين ملتقى المسلمين يجب على هذه الدولة ورجالها جميعًا وعلى أفرادها جميعًا التعاون على البر والتقوى والتناصح، وأن تكون وسائل إعلامنا غاية في النزاهة والسلامة حسب الطاقة والإمكان، المرئية والمسموعة والمقروءة جميعًا، يجب أن يعتنى بها غاية العناية.
وعلى المتولي لذلك أن يهتم بهذا الأمر وأن يوليه أكبر عناية بتوظيف أهل الخير وإبعاد أهل الشر، وأن تكون وسائل بناء وتعمير وإصلاح، لا وسائل هدم وتخريب، وهذا هو الذي ينادي به جميع المصلحين في داخل هذه البلاد وفي خارجها، ونفس الاختلاط موجود هو جزء من التخريب، والدعوة إلى السلامة منه جزء من الإصلاح، فيجب أن تكون المرأة في الحدود التي حدها الله لها في بيتها، وما أدراك ما البيت، الحاجة إلى وجودها فيها ضرورية وعظيمة، ومتى أصلح الله البيت صلح المجتمع، فأبناء البيت وبنات البيت هم رجال المجتمع في المستقبل ونساء المجتمع في المستقبل، فإذا أصلح الله رجال البيت صار المجتمع بعد ذلك صالحًا سائرًا على الطريق السوي، فالمرأة لها شغل شاغل في بيتها، ولها شغل شاغل في ميدان النساء، فيكفيها أن تكون في بيتها، وفي ميدان النساء، من تعليم البنات، وطب النساء، ونحو ذلك مما يكون خاصًا بالنساء، وللرجال ميدانهم في طب الرجال، وتعليم الرجال، وجميع شؤون الرجل، والجهاد في سبيل الله، هذا له شأن، وهذا له شأن.
فالواجب على ولاة الأمور وعلى جميع المسلمين التعاون في هذا الأمر، والحرص عليه، والحذر من الدعوات المضللة المخربة التي تدعو إلى الاختلاط والفساد، وكلكم أو أكثركم يعلم ما يترتب على خروج المرأة من بيتها، وأن يكون فيه الخادمة بدل سيدة البيت، ماذا يترتب على هذا من الفساد العظيم لا للذرية ولا للبيت نفسه ولا للزوج ولا للمرأة كل منهم على خطر، والحوادث لا تحصى في هذا السبيل الذي سمعتم عنه بعض الشيء من المحاضر.
ولا شك أن السكرتيرة في المكتب بريد لشر عظيم وفساد كبير، أقل ما فيه أنه يخلو بها، والله أعلم ما يكون وراء ذلك، ثم يختار لذلك من هي من أجمل النساء ومتعلمة فيكون الشر بها والفتنة بها أشد، فلا شك أن هذا من أقبح المحرمات، وأن يكون الرجل ليس له سكرتير إلا الرجل، وهو كاتب خاص، الرجل له الرجل، والنساء لهن النساء، ولا يجوز أبدًا أن يختلط النساء بالرجال في مكاتب أو غير مكاتب لا سكرتيرة ولا غير سكرتيرة، بل يجب أن تكون المرأة للنساء في التعليم والتطبيب والتمريض وغير هذا من شؤون النساء، ويكون الرجل للرجال للتعليم للتدريس والتطبيب والتمريض وغير هذا من شؤون الرجال، وبذلك تصلح الأحوال، ويبتعد عن الخطر، خطر الفواحش والشرور والفساد في الأرض وفساد القلوب وانحرافها عن الهدى.
وكذلك الإذاعة متى عمرت بالإصلاح وهكذا التلفاز وهكذا الصحافة متى أصلح شأنها وعمرت بالخير وأهل الخير فإن لها الأثر العظيم في إصلاح المجتمع في الداخل والخارج، وسوف يتأسى بها كل مصلح وكل غيور وكل ذي خير من الرجال والنساء في المشارق والمغارب، ولا نحصي وهكذا كل إخواننا الذين لهم صلة بالفتاوى لا نحصى السائلين والسائلات لا من طريق الكتابة ولا من طريق برنامج نور على الدرب لا نحصي من يسأل عن الخير ويطلب الخير من شتى أقطار الدنيا، وهذا يدل على أن هناك بقايا، ولا نحصي من يثني على البرنامج، وعلى هذه البلاد وما يذاع منها من خير، كما أنا لا نحصي من يلوم ويقول: يجب أن تطهر الإذاعة والصحافة وكذا وكذا من كل شر، فهذا محسن، وهذا محسن، الذي يطلب الفتاوى ويطلب الخير ويطلب التعليم والإرشاد محسن وطالب للخير، والذي يلوم ويطلب التطهير والإصلاح وأن تكون هذه الوسائل في غاية من الطهر أيضًا محسن ومشكور، والحاجة ماسة لذلك.
فالأسئلة الآن من أفريقيا ومن أوروبا ومن آسيا ومن كل مكان تأتي إلى البرنامج وإلى دار الإفتاء يطلبون العلم، ويريدون البيان في العقائد وفي الأخلاق وفي كل شيء، هذا يدل على أن هناك من يسمع، وهناك من يريد الخير، وهناك من ينشد الحق، فوجب على القائمين على وسائل الإعلام تطهيرها وتنزيهها من كل ما يضر المجتمع من: أغاني، وملاهي، ومقالات فاسدة، ومسلسلات تضر المجتمع، سواء كان في القناة العربية أو قناة أخرى، سواء في الصحافة، أو في غير ذلك، يجب على ولاة الأمور وعلى القائمين على هذا الأمر أن يطهروها، وأن يولوا عليها الأخيار، ويحتسبوا الأجر عند الله في ذلك، وهذا من الجهاد العظيم والأمر، ولهم في هذا الأجر العظيم والعاقبة الحميدة والسمعة الحسنة في الداخل والخارج، ومن الله الأجر العظيم، وهو سبحانه يجب أن يطلب رضاه ويحذر أسباب سخطه وغضبه، وعلى أهل العلم في كل مكان في هذه البلاد وفي خارج هذه البلاد على أهل العلم أن يتقوا الله، وأن يبلغوا رسالة الله، وأن يعلموا الناس دينهم، ويرشدوهم إلى الخير، وأن ينصحوهم وعلى المسلمين في كل مكان أن يتقبلوا الخير، وأن يتقبلوا الحق، وأن يطلبوه وينشدوه، وأن يسألوا عنه، فالله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، ويقول ﷺ: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين.
فالاختلاط في أي مكان في المكاتب أو في الأعمال أو في أي مكان عامل شر عامل تخريب عامل فساد للقلوب وفساد للأخلاق، والتمييز بين الرجال والنساء وأن يكون كل صنف في عمله وفي محله اللائق به هذا هو الطريق الذي رسمه الله لعباده، وهذا هو الذي به النجاة، وبه العافية، وبه العاقبة الحميدة بإذن الله، وهو طريق المرسلين، وطريق أتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، فالواجب على جميع المسلمين في كل مكان أن يتقوا الله وأن يراقبوا الله وأن يعملوا بكتابه المنزل عليهم هدى لهم وبسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فالله يقول جل وعلا: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، ويقول سبحانه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، فصراط الله هو دينه الذي بعث به نبيه عليه الصلاة والسلام، من استقام عليه نجا، وسعد وفاز بالكرامة والعاقبة الحميدة، ومن حاد عنه يمنة أو يسرة هلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فهذا الدين العظيم مثل سفينة نوح التي أنجاه الله عليها حيث قال سبحانه: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [العنكبوت:15]، هذا الدين العظيم الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم هو السفينة من استقام عليه وثبت عليه نجا وسلم من هذا التيار الخطير الجارف، ومن حاد عنه يمينًا وشمالًا ومن تابع الهوى ضل مع من ضل، وهلك مع من هلك، يقول سبحانه: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص:50]، ويقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]، فالله ورسوله إنما دعوتهما للحياة لما فيه الحياة والسعادة، أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ [الأنعام:122]، هذا دين الله حياة ونور وما سوى ذلك في ظلمة وفي موت، من خرج عن دين الله فهو في ظلمة وموت، وإن عاش مع الحيوانات وإن عاش من جنس الحيوان يأكل ويشرب فهو في ظلمة وفي موت، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52].
فكتاب الله وما جاء به نبيه روح تحصل به الحياة، ونور تحصل به البصيرة والهدى، فمن خرج عن ذلك صار إلى الموت، وصار إلى الظلمة وعدم النور، ويقول سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57].
وهكذا دعاة السفور والتبرج هم من جنس دعاة الاختلاط سواء بسواء، هم دعاة للهدم، ودعاة للفساد وإن لم يشعروا بذلك.