فإن ربك جل وعلا شرع لك أعمالًا أخرى، شرع لك في هذه الدار أن تبر والديك، وتحسن إلى والديك، هذان اللذان أحسنا إليك وصبرا عليك، صبرا أولًا عليك حملًا، فالأب ينفق ويحسن ويراعي صاحبة الحمل، والمرأة تتحمل المشاق الكثيرة في الحمل والولادة وفي التربية والرضاع، والوالد أيضًا يقوم على ذلك ويصبر على المشاق فيما يتعلق بحاجات الزوجة والنفقات عليها والكسب لها وحاجات الأولاد والإحسان إليهم، فأنت تبر هذين الوالدين اللذين تعبا في راحتك، وتحملا المشاق الكثيرة قبل أن توجد في الدنيا، تحملاها من أجلك، وصبرا على ما يكون فيه تربيتك والإحسان إليك حتى تستقل بنفسك، وحتى تعرف مصلحتك، فهما من أحق الناس ببرك وإحسانك، بل حقهما قرين لحق الله، قال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، وقال : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، فجعل حقهما مع حقه ، فبرهما والإحسان إليهما وطاعتهما في المعروف من أهم الواجبات ومن أعظم الأخلاق الكريمة، فالبار قد رزقه الله خلقًا كريمًا، والعاق قد رزق بخلق ذميم وسيئ، والرسول طلب خير الأخلاق والهداية لها، وتعوذ من سيئها، فمن الأخلاق الكريمة بر الوالدين والإحسان إليهما، وشكرهما على ما فعلا، والصبر عليهما عند الكبر وعند الضعف وعند ضعف العقل وضعف التصرف، تصبر عليهما، وتحسن إليهما، وتقوم عليهما بخير الأخلاق، وبأحسن العبارات، وبأطيب الكلام، وبأطيب الفعال، حتى يتوفاهم الله على ذلك، فأنت تصبر وتبرهما وتحسن إليهما وتطيعهما في المعروف، وتصبر على كل ما يتعلق براحتهما مهما كانت الأمور.
الخميس ١٩ / جمادى الأولى / ١٤٤٦