الغاية من بعثة محمد عليه الصلاة والسلام

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه نبينا وإمامنا سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فلا شك أن من أعظم نعم الله على عباده وإحسانه إليهم أن بعث إليهم رسولًا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، كما أخبر عن نفسه بذلك عليه الصلاة والسلام، ومن رحمة الله العظيمة وإحسانه العظيم أن أرسل إلى الناس نبينًا كريمًا ورسولًا عظيمًا وإمامًا مقدمًا، وهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب، وينتهي نسبه إلى نبي الله إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام، وعليه وعليهما الصلاة والسلام وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، بعثه الله جل وعلا على حين فترة من الرسل، وظلمة من السبل وخفاء من معالم الهدى، وقد مقت الله أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا يسيرة من أهل الكتاب، فأرسل هذا الرسول العظيم ليبين للناس صراط الله المستقيم، وليعلمهم دين الله القويم وليوضح لهم الإسلام الذي بعث الله به المرسلين، وجعله الله رحمة للعالمين، فقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28]، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وجمع به بعد الفرقة، وأغنى بعد العيلة والفقر، وهدى به الأمة إلى الصراط المستقيم، وأحيا به ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فدعا إلى الهدى، وبشر وأنذر حين بعثه الله في مكة المكرمة على رأس أربعين عامًا من عمره عليه الصلاة والسلام، لما أكمل الله له أربعين عامًا بعثه للناس رحمة وهدى عليه الصلاة والسلام، فبلغ وأنذر ودعا إلى الله ، وصبر على الأذى من قومه وهدى الله على يديه من هدى في مكة المكرمة، ولما اشتد بهم الأذى هاجر جم غفير منهم إلى الحبشة؛ لأن ملكها ذاك الوقت ملك عادل لا يظلم عنده أحد، فهاجروا إليه وهو على النصرانية، فهاجروا إليه  ورحب بهم، وكان على رأسهم جعفر بن أبي طالب أخو علي رضي الله عنهما هذه الهجرة الأولى إلى الحبشة، فجلسوا هناك في أمن وأمان، وهدى الله على يديهم ملك الحبشة النجاشي، وأسلم على أيديهم، ولم يزالوا هناك حتى هاجر النبي ﷺ إلى المدينة، ثم مضى على هجرته في المدينة ست سنين، ثم قدموا عليه عام خيبر من الحبشة هجرة ثانية إلى المدينة، والنبي ﷺ لما اشتد به الأذى في مكة واشتد بأصحابه الأذى رضي الله عنهم أذن الله لهم بالهجرة، فهاجر هو ومن استطاع من أصحابه إلى المدينة، وأظهر الله دينه هناك، ورفع شأن الإسلام، وقام سوق الجهاد إلى آخر ما هو معروف في السيرة النبوية، وكانت هذه النعمة لا يعادلها نعمة؛ لأن الله جل وعلا نصر بها دينه، أعلا بها كلمته، وعرف الناس بها دينه الذي بعث به الأنبياء من أولهم إلى آخرهم، ودين الإسلام إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، فنشر أعلامه وبين معالمه على يد هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وأنزل عليه القرآن الكريم الذي هو أفضل كتاب وأعظم كتاب، وهو القرآن فيه الهدى والنور فيه الدلالة على كل خير، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والتحذير من الشرك بالله، ومن سائر ما لا يرضي الله من أقوال وأعمال، قال فيه سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، وقال: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3]، وقال سبحانه: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا [الزمر:23]، يعني: يشبه بعضه بعضًا، فهو أحسن القصص، وهو أحسن الحديث، وهو كتاب الله العظيم الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42]، هدى الله به الأمم من عهده ﷺ إلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة هداهم الله به إلى أسباب السعادة، وإلى دين الإسلام، وإلى الأخلاق الكريمة، والأعمال الحميدة، وإلى كل خير، وحذرهم فيه من كل شر، ونبينا ﷺ هو أعظم داع وأفضل داع وأعظم رسول وأفضل رسول عليه الصلاة والسلام، كمل الله به المرسلين، وختم به عقد النبوة، فصار هو خاتم النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وليس بعده نبي، من ادعى النبوة بعده فهو كافر ضال مضل، فمحمد ﷺ خاتم النبيين، وهو رسول رب العالمين، ورسالته خاتمة الرسالات.