سد الذرائع والوسائل المفضية إلى الشرك

أما بعد:

فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة العظيمة المتعلقة بموضوع عظيم، وهو موضوع سد الذرائع، والوسائل المفضية إلى الشرك، وقد تولاها صاحبا الفضيلة الشيخان: محمد بن حسن الدريعي، وصالح بن عبدالرحمن الأطرم، وقد أجادا وأفادا وأوضحا ما ينبغي إيضاحه في هذا المقام، والمقام عظيم، والمسلمون في أشد الحاجة إلى معرفة هذه الذرائع والوسائل، والحذر منها، ومن غاياتها التي تنتهي إليها، ولاسيما في هذا العصر الذي اختلط فيه الحنابل بالنابل، والمسلم بالكافر، وعمت المصيبة إلا من رحم ربك بسبب الخلطة الكثيرة بالكفار واتصالهم بالمسلمين عمالًا وخدامًا وغير ذلك، وبسبب الأسفار الكثيرة إلى بلاد الشرك والاختلاط بأعداء الله في بلادهم، وبأسباب أخرى كثيرة من صحف ومجلات خليعة وشريرة ومؤلفات خطيرة، إلى غير ذلك من أسباب الشر والفساد والشرك، والأمر كما قال الشيخان جدير بالعناية، وجدير بالبحث والمذاكرة بين الطلبة وبين المسلمين، وأن يكون محل العناية بين المدرسين والمدرسات والواعظين والمذكرين حتى يكون المسلم على بصيرة في هذا المقام وفي غيره.

تعلمون أن الشرك هو أعظم الذنوب، الشرك بالله هو أعظم الذنوب، وأعظم الجرائم، فقد بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام لإنكاره، والتحذير منه، والدعوة إلى تركه، والأمر بالتوحيد، فالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم من أولهم آدم ونوح إلى آخرهم محمد عليه الصلاة والسلام كلهم بعثوا يدعون الناس إلى توحيد الله، يعلمونهم توحيد الله والإخلاص له، وتخصيصه بالعبادة من دعاء وخوف وصلاة وصوم وغير ذلك، وبعثوا أيضًا بالإنذار عن الشرك والتحذير منه يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ۝ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر:1-2]، هذه أول سورة بعد اقْرَأْ [العلق:1] نزلت فيها الإنذار عن الشرك، وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] كلهم بعثوا بهذا الأمر، وقال عن نوح وعن هود وعن صالح وعن شعيب وعن غيرهم أنهم قالوا لقومهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].

ونبينا ﷺ لما بعثه الله في مكة المكرمة قال لقومه: يا قوم قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا هذا أول شيء دعاهم إليه فاستنكروا هذا واستغربوه، وقالوا مستكبرين منكرين: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب [ص:5]، وقالوا: أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُون [الصافات:36]، يعني: ما ترك آلهتنا من أجل شاعر مجنون، بل نعبدها مع الله، فلم يزل عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى الله، ويصبر على الأذى في ذلك صباح مساء وليلًا ونهارًا، وفي كل مكان يدعوهم إلى توحيد الله، وينذرهم الشرك بالله، وهذه وظيفة الرسل، وذلك دليل على أن التوحيد هو أعظم الواجبات، وأهم الفرائض، وأن الشرك بالله هو أعظم الذنوب وأخبث الجرائم.

وفي الصحيحين عن عبدالله بن مسعود قال: قلت: يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، بين أن أعظم الذنوب الشرك بالله ، فاتخاذ الأنداد معناه عبادة غير الله ، أعظم الذنوب أن تشرك بالله عز وجل، كأن تطلب من الصنم أو الجن أو أصحاب القبور أن يغفر ذنبك أو يشفى مريضك، هذا الشرك بالله، تقول للجن أو للأصنام أو للأشجار والأحجار أو للأموات تسألهم أن يغفروا ذنبك أو يشفوا مريضك أو يردوا غائبك أو ينصروك على الأعداء هذا الشرك الأكبر، نعوذ بالله، هذه عادة المشركين الأولين، وكانوا يعبدون الأصنام الأحجار المصورة، والأشجار كذلك، وغير هذا من المخلوقات التي يعظمونها، حتى كان بعضهم يجمع تمرًا، ثم يعبده من دون الله، أو يعبد ترابًا ثم يحرق عليه ثم يعبده من دون الله، وكانت قريش تعبد العزى -شجرات عندهم سمر تعبدها- من دون الله، وكان أصحاب الطائف يعبدون اللات حجر أو قبر كما قال أهل التاريخ: إنه صخرة منقوشة جعلوا عليها ستور، وعظموها وعبدوها من دون الله، بها يستغيثون، ولها ينذرون، ويذبحون، وكان أهل المدينة وغيرهم يعبدون أصنامًا وصنمًا بقديد يقال له: مناة، يعبدونه من دون الله،  وهكذا العرب كل قبيلة فيها أصنام تعبدها من دون الله، تتسمح بها، وتستغيث بها، وتنذر لها، وتذبح لها، نعوذ بالله، عقول طمست حتى استحسنت الشرك، نعوذ بالله، قالوا: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون [الزخرف:23]، حتى بعث الله نبيه محمد ﷺ فدعاهم إلى توحيد الله وحذرهم من الشرك بالله، ولم يزل حتى أسلم من أسلم وهدى الله من هدى، ثم لم يزل في قتال مع قريش ومع العرب في بدر وأحد والخندق يدال عليهم تارات ويدالون عليه بعض الأحيان، ثم ختم الله الأمر بأن فتح الله عليه مكة، ونصره عليهم حتى كسر الأصنام، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، وفي جوف الكعبة أصنام في داخل الكعبة، فأخرجها وكسرها جميعًا عليه الصلاة والسلام، وكان في جدران الكعبة صور مصبوغة مكتوبة في جدرانها، فمحاها بالثوب والماء عليه الصلاة والسلام، حتى محا آثار الشرك، وقطع الأشجار والأحجار وهدمها، وهدم شجرة العزى، وبعث إليها من هدمها.

ولما أسلم أهل الطائف بعث إلى طاغيتهم اللات من هدمها وقضى عليها، هكذا فعل الرسول ﷺ وأصحابه، وقضوا على الشرك وهدموا آثارها وأزالوها، كل ذلك بعد جهاد طويل، وتعب عظيم، وقتال بين المسلمين وبين الكفرة، حتى أظهر الله دينه بعد ذلك ونصر عبده ورسوله محمد عليه الصلاة والسلام.

والندوة اليوم مقصودها التحذير من الوسائل التي تفضي إلى هذا الشرك، المقصود التحذير من الوسائل القولية والعملية والعقيدة التي تفضي إلى عبادة الأصنام، والأشجار من دون الله، وإلى عبادة أصحاب القبور من الأنبياء والأولياء وغير ذلك، فإن المشركين أصناف من العرب والعجم أصناف منهم من عبد الأنبياء، ومنهم من عبد الصالحين، ومنهم من عبد الأصنام، ومنهم من عبد الكواكب والنجوم في السماء، ومنهم من عبد الأشجار، ومنهم من عبد الجن، ومنهم من عبد الملائكة، ومنهم من عبد غير ذلك كالبقر وغيره.

فالمشركون أصناف وأقسام لكن يجمعهم أنهم أشركوا بالله -نعوذ بالله- وأنهم خالفوا قول لا إله إلا الله، وخالفوا ما جاءت به الرسل، فلم يعبدوا الله وحده، بل أشركوا معه غيره، أو هجروا عبادته وعبدوا غيره، نسأل الله العافية.

فالندوة اليوم التي تولاها الشيخان: محمد، وصالح، المقصود منها التحذير من هذه الوسائل المفضية إلى الشرك، والتحذير من الشرك نفسه، إذا كان المقصود التحذير من الوسائل فالتحذير من الشرك نفسه من الغاية لا شك أنه أولى وأولى، فالتحذير مقصود به هذا وهذا، فالتحذير من الشرك الأكبر والتحذير من وسائله القولية والعملية والعقدية.