أحوال النظم الوضعية وأحكامها

كذلك مسألة النظم التي أشار إليها الشيخان، النظم الوضعية نظم كفرية خبيثة تحكم بغير شريعة الله، لكنها فيها تفصيل، إذا وضعها حاكم البلد، وضع مثلا نظام أن الزاني والمحصن لا يرجم ولكن يجلد خلاف شرع الله يجلد أو يسجن فهذا منكر خلاف شرع الله، أو قال: إن القاتل لا يقتل قصاصًا ولكن يسجن أو يؤدب ولا يقتل، كما يفعل في الدول الكثيرة، أو قال السارق لا يقطع يؤدب بس يضرب أو يسجن ولا تقطع يده، فهذه النظم مخالفة لشرع الله منكرة، لكن إذا كان فعلها يعلم أنها غير جائزة وأنها منكرة ولكن زعم أنه فعلها لأسباب لأنه لا يستطيع التنفيذ، أو لأسباب كذا وكذا وإلا يعلم أنها منكرة، وأنها خلاف شرع الله، هذه نظم باطلة ومنكرة وهو عاص في هذا غلطان، لكن إذا قال: إن هذا النظام أحسن من حكم الله، ولكوني أعاقب السارق بالسجن أحسن من قطع يده، أو قال: إن رجم الزاني لا يصلح ولكن أسجنه ولا أرجمه إذا كان محصنًا، أو قال: إن القصاص لا يصلح ولكن يسجن القاتل ولا يقتص منه، إذا قال: إن هذا أحسن من حكم الله، أو قال: إنه جائز، ما قال: إنه أحسن، فكيف إذا كان يقول: إنه جائز، إذا قال: هذه جائزة ولو خالف شرع الله، هذه ردة عن الإسلام كفر أكبر، نعوذ بالله.

فالأحوال ثلاثة: تارة يقول: إن هذه القوانين أحسن من حكم الله هذا أقبح، نعوذ بالله.

وثانيًا يقول: ما هي أحسن لكن مثل حكم الله، وهذه نستعملها لأنها أرفق بالناس أو كذا فهذا كفر أكبر، نعوذ بالله أيضًا، والثاني أن يقول: حكم الله أحسن، ولكن أنا ما أنفذ حكم الله لأنه كذا ولأنه كذا، وهذه جائزة، تكفي هنا نسجن الزاني المحصن ولا نرجمه، ولا نقطع السارق ولكن نسجنه ونؤدبه، لا نقتص ولكن نسجن القاتل ولا نقتص منه، هذا جائز حكم الله أحسن ولكن هذا جائز لا بأس به هذا كفر أكبر أيضًا وردة عن الإسلام -نعوذ بالله- ولو قال حكم الله أحسن، ما دام يستجيز هذا يرى أنه جائز ويرى أنه لا بأس به يكون ردة عن الإسلام -نعوذ بالله-؛ لأنه استحل ما حرم الله، وقد حرم الله أن نخالف شرعه، وقال سبحانه: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]، وقال: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65]، وقال: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].

فالذي يرى أن حكم غير الله جائز أو أحسن من حكم الله أو يرى أنه مساو لحكم الله كله ردة عن الإسلام -نعوذ بالله-.

لكن لو حكم بغير ما أنزل الله وجعل قوانين للحكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أنه ظالم وأنه مخطئ وأنه مقصر وربما  قال: سوف أفعل سوف أحكم بما أنزل الله هذا يكون منكر، ويكون معصية وكبيرة من الكبائر، ويكون وسيلة للكفر، وسيلة لاتخاذها حاكمة، وللاقتناع بها، وجعلها جائزة، أو تحسينها ورفعها على حكم الله عز وجل، فهو وسيلة للكفر بالله .

ومثل هذا الحاكم إذا حكم بغير شرع الله من أجل الرشوة القاضي حكم للرشوة وهو يعلم أنه مخطئ ولكنه من أجل المال الذي أعطاه إياه بعض خصومه حكم هذا منكر وضلال ووسيلة إلى الكفر، لكن متى يعلم أنه مخطئ وأنه ظالم ما يكون كافرًا يكون عاصيًا، وفيه نوع كفر، ولكن لا يكون كفر أكبر؛ لأنه يعتقد أنه مخطئ، وأنه ظالم، وأنه عاص، وأن حكم الله هو الواجب الاتباع، ولكن حملته الرشوة على أن حكم بغير ما أنزل الله، أو حمله حب الأقارب حكم لقريبه أو لصديقه بغير ما أنزل الله ....... من أجل القريب أو الرشوة أو الصديق نعوذ بالله، فهذا قد أتى منكرًا عظيمًا وظلمًا عظيمًا، لكنه دون الكفر الأكبر؛ لأنه يعلم أنه عاص، وأنه مخطئ، وأنه ظالم، ولكنه حمله حب القرابة أو الصداقة أو حب المال على ما فعل.

فينبغي لأهل الإسلام التمييز بين أحكام الله وشرعه سبحانه وتعالى، وأن يكونوا على بصيرة في هذا الأمر العظيم، فإن هذه المسائل لها شأنها العظيم، فأرجو أن تكون في هذا الأمر على بصيرة وعلى بينة.

وهكذا قول: ما شاء الله وشاء فلان، ولولا الله وفلان، وهذا من الله ومن فلان، هذا شرك أصغر ووسيلة إلى الشرك الأكبر، لكن إذا قال: ما شاء الله ثم شاء فلان، لولا الله ثم فلان، وهذا من الله ثم من فلان، جاز هذا، لكن لو اعتقد أن فلانًا يتصرف في الكون، وأنه ينفع ويضر بعد الله، وأن له ما في الكون، صار كافرًا  كفرًا أكبر، والعياذ بالله، ولو قال: ثم، أو قال بالواو ما دام يعتقد أن فلانًا الميت أو الحي يتصرف في الكون وأنه شريك لله في التدبير صار كفرًا أكبر -نعوذ بالله-، إنما هذا إذا جرى على لسانه لولا الله ثم فلان ...... وهو يعلم أن التصرف لله فهذا شرك أصغر، وإذا قال: لولا الله ثم فلان صار جائزًا، وهذا من الله ثم من فلان، ما شاء الله ثم شاء فلان، فهذا جائز، ولكن مع العقيدة بأن التصرف لله وحده وأنه مدبر الأمور وأنه مصرف الكائنات وأن العبد سبب فقط، العبد وأفعاله من باب الأسباب، والله مصرف الأكوان، ومدبر الأمور سبحانه وتعالى، أما من اعتقد في ميت أو حي أنه شريك لله وأنه يدبر الأمور ويصرف الكائنات وأنه يعلم الغيب أو ما أشبه ذلك صار كفرًا أكبر، نعوذ بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فنرجو أن يكون فيما سمعنا بركة وكفاية، ونسأل الله أن يمن على الجميع بالفقه في الدين والثبات عليه.