الجهل بالدين وخطره

وفي هذا العصر تغيرت الأحوال، وخف شأن الوالدين على كثير من الناس، ولم يبق لهما الحرمة المعروفة، وصار الكثير من الناس يسبهما، ويؤذيهما، ويعقهما كثيرًا، وما ذاك إلا بأسباب الجهل، وضعف الإيمان، أو عدمه، فإن الجهل انتشر رغم كثرة المدارس والجامعات والكتب والصحف وغير ذلك، ولكن أكثر الخلق لا يستفيدون من هذه الجامعات، ولا من الصحف، ولا من الكتب، إلا ما يتعلق بدنياه، وحظه العاجل، وليس له عناية بأمر الآخرة، وليس له اجتهاد فيما ينفعه في الآخرة، وليس له عناية بأحكام الشرع وما حرم الله وما أباح الله وما أوجب الله، فتجده معدودًا من أصحاب الدكتوراه، وهو أجهل من أبناء المدارس الابتدائية في أمر دينه، وهذه مصيبة عظيمة؛ لأنه لم يرفع رأسًا بالأحكام الشرعية، ولم يلتفت إليها، وإنما همه أن يأخذ هذه الوثيقة التي يتوظف بها، ويعيش بها، وهذه من المصائب الكبيرة.

الواجب على المسلم أن يعنى بأحكام الشرع قبل كل شيء، ويتعلم ما أوجب الله عليه حتى يؤديه، وما حرم الله عليه حتى يجتنبه، ويعرف حدود الله حتى يقف عندها، هذا هو الواجب على المكلفين جميعًا من الذكور والإناث، ثم بعد ذلك لا حرج أن يأخذ من العلوم ما ينفعه في أمر الدنيا، أما أن تكون علوم الدنيا وأن يكون قصده من التعلم هو الحصول على الحظ العاجل، فهذه من المصائب العظيمة، وينتج عن هذا القصد وعن هذا الانحراف في التعلم فساد كبير في أمور الدين، وفي المجتمع، فإن صلاح المجتمع واستقامته وترابطه إنما يكون بتعلم ما أوجب الله، وما شرع الله، حتى يتعاونوا على البر والتقوى، وحتى ينصح بعضهم بعضًا، وحتى يرشد بعضهم بعضًا بالخير والهداية، وهكذا يتآمروا بالمعروف، ويتناهوا عن المنكر، إذا جهل أبناء المجتمع ما شرع الله وجهلوا أحكام الله كيف يتواصون بالبر والتقوى؟ كيف يتآمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وهم قد فقدوا هذا الشيء ولم يعرفوه ولم يرفعوا به رأسًا؟

ونستفيد جميعًا من هذه الندوة أن الأمر خطير من جهة العقوق والإعراض عن أمر الوالدين والتساهل بحقهما، وأن هذا مخالف لكتاب الله العظيم، مخالف لسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، مخالف للعقول والفطر التي فطر الله عليها الثقلين، مخالف للمصلحة العامة في المجتمعات، فجدير بالمكلفين أن يعنوا بهذا الأمر، وأن يجددوا رغبة صادقة في معرفة أحكام الله وشرعه، وفي إعطاء الوالدين حقهما، وفي الحذر من عقوقهما، ومن تاب تاب الله عليه، ومن أناب إلى الله صادقًا وفقه الله وأعانه، وهو القائل سبحانه: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:54]، أنيبوا: ارجعوا، وأسلموا له: أي انقادوا لأمره ونهيه.