ومن ذلك أمر الوالدين حتى تعرف حقهما عليك حقًا واضحًا، حتى تعرفه بالتفصيل وبالأدلة، وحتى تؤديه على بصيرة، وحتى تحذر عقوقهما والإساءة إليهما على بصيرة حتى ولو كانا كافرين، ولو كان والداك كافرين لهما حق عليك بالإحسان إليهما، ومصاحبتهما بالمعروف، وتعليمها، ونصيحتهما، وأمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر بالأسلوب الحسن بالأسلوب الذي يؤثر فيهما ويرجى منه قبولهما للحق، والله يقول في حق الوالدين الكافرين: وَإِنْ جَاهَدَاكَ [العنكبوت:8]، يعني الولد وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان:15]، قال: فَلَا تُطِعْهُمَا، ما قال: فعقهما، قال: فَلَا تُطِعْهُمَا، وهما يجاهدانك على الشرك، يقولان لك: اكفر بالله، لا تؤمن بالله، لا تؤمن بمحمد، لا تصل، لا تصم، ومع ذلك يقال له: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، فالوالدان لهما شأن غير شأن بقية الأقارب، فأنت تحسن إليهما مع بغضهما على ما هم عليه من الباطل والكفر، لكن تحسن إليهما، تنفق عليهما، إذا كانا محتاجين تأمرهما بالمعروف، تنهاهما عن المنكر، ترفق بهما، تبدي لهما عطفك والرغبة في إسلامهما بطاعتهما لله، وتبين لهما عظم هذا الأمر بكل أسلوب بكل ما تستطيع من الأساليب الحسنة، لعل الله يهديهما على يديك، لعل الله يخرجهما من الباطل على يديك، فيكون لك مثل أجورهما، قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، إذا كان هذا مع الناس ......، فكيف بوالديك وأقاربك؟ فهم في أشد الحاجة إلى هذا بالحكمة، يعني بالعلم، قال الله وقال رسوله، والموعظة الحسنة تعظهما أن لكما كذا، إذا اتقيتما الله لكما السعادة في الدنيا والمحبة في الدنيا والإعانة ....... في الدنيا، ولكما في الآخرة الجنة والنجاة من النار تعظهما وعظًا حسنًا، ثم الجدال بالتي هي أحسن إذا كان عندهما شبه، إذا كان عندهما أشياء قد وقف في طريق إسلامهما تبين لهما بطلانها وتوضح لهما فساد الشبه، تكشفها لهما، وهكذا غيرهما من المدعوين تصبر على الدعوة، وعلى الأذى من الناس، وتجتهد في بيان الحق وكشف الشبه التي يروجها أصحاب الباطل.
الخميس ١٩ / جمادى الأولى / ١٤٤٦