وقد أخبر أنه لو شاء لآتى كل نفس هداها، ولكن حق القول منه ليملأن جهنم والجنة، يملأ هذه وهذه، قال تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13]، وقال جل وعلا: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35]، وقال سبحانه: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس:99]، فالأمر بيده ، قضى في سابق علمه وبحكمته العظيمة وقدره السابق أن الناس يكونون قسمين: منهم الكافر، ومنهم المسلم، وابتلى هؤلاء بهؤلاء وهؤلاء بهؤلاء، كما قال : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن:2]، فحق على من رزق الإيمان ومن هدي إلى توحيد الله واتباع شرعه حق عليه أن يشكر نعم الله، وأن يحمد الله على هذه النعمة العظيمة أن جعله من المهتدين ولم يجعله من الهالكين، هذه أعظم نعمة أن تكون يا عبد الله ممن هداك ربك قال جل وعلا: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]، ومن فضل الله أن هداك للإسلام، ومن رحمته أن وفقك له وثبتك عليه، فاحمد الله على هذا الخير العظيم، واشكر الله أن جعلك من قسم الإيمان لا من قسم الكفر والعصيان، ثم اشكر الله مرة أخرى على تثبيتك وتبصيرك وتفقيهك في دينه، حتى تؤثر الخير على الشر، وحتى تتبع الحق وتدع الباطل، وحتى تنصر ما يحبه الله، وتخذل ما يسخط الله ، وحتى تكون من حزب المؤمنين لا من حزب الكافرين، هذه نعم عليك من الله .
ثم من شكر هذه النعم أن تكون ضد أعداء الله، ومع المجاهدين في سبيل الله، ضد الشيطان وأولياء الشيطان، وهذا يحتاج إلى عدة يحتاج إلى سلاح، يحتاج إلى قوة مع الاعتصام بحبل الله، والثقة به جل وعلا، كما قال سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، ومع هذا قال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]، فأمر الناس بإعداد العدة، وأخذ الحذر، وأمرهم بتقوى الله والتعاون على البر والتقوى والاعتصام بحبل الله ، وألا يموتوا إلا وهم مسلمون، أخذًا بجميع الأسباب.