تحكيم الشريعة فيه الأمن والإيمان

فتحكيم الشريعة هو الحصن الحصين، وهو الدرع السابغ لحماية البشر من سباعها، ولإظهار الحق وردع الظلم، والقضاء على المفسدين؛ لأن بالشريعة تعمر القلوب، بالإيمان وخوف الله وطاعته وتعظيم أمره ونهيه وتعظيم حدوده فيقف الناس عند حدهم، ويتركون ما حرم الله عليهم خوفًا من الله، ورغبة فيما عنده، ويعيش بينهم ضعيفهم في أمن وسلامة ومحبة وخير ومواساة، وأنتم تشهدون وترون وتسمعون ما وقع في العالم اليوم من الاختلاف والنزاع والفتن وظهور المنكرات واختلال الأمن في كل مكان مع أنهم وصلوا في آخر هذه الأزمان وصلوا إلى أمور ما كانت تخطر بالبال، ولا تدور في الخيال من القوة التي تسلحوا بها، وأخبر عنها المصطفى عليه الصلاة والسلام لا تقوم الساعة حتى تروا أمورًا عظامًا، فقد وقعت الأمور العظام أهل الشرق يكلمون أهل الغرب، وأهل الغرب يكلمون أهل الشرق، ويأخذون أخبارهم وحوادثهم، وصنعوا أسلحة، طاروا في الجو، وغاصوا في البحار، ما كفاهم أن يسيروا في الأرض أو فوق البحر، بل ساروا في الأجواء وغاصوا في جوف البحار، ومع ذلك ما تم الأمن، ولا حصلت السعادة، بل في أقوى دولة في أمريكا وفي السوفييت فيها من الفساد واختلال الأمن وقتل الناس وظلمهم والعدوان عليهم ما لا يحصيه إلا الله ، فلا يأمن الإنسان على دينه، ولا على نفسه، ولا على حريمه، ولا على بيته، وهو في الطريق لا يدري ما ينزل به من الأثاث والبلايا مع أن هذه قوة الشرق والغرب، أقوى قوة حسية في الدنيا، ولكنها لا تغني شيئًا عن أهلها بإثبات الأمن والهدى والسعادة وتحكيم الشريعة، كما سمعتم من الشيخين فيه السعادة العاجلة والآجلة، فيه راحة القلوب وطمأنينتها، وفيه ثبات الأمن، وفيه عز الدنيا وعز الآخرة، وفيه السعادة الأبدية، وفيه العدل بين الأمة، كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، لما طلب منه أسامة حب رسول الله ﷺ أن يدرأ الحد عن المخزومية وألا تقطع يدها غضب عليه الصلاة والسلام، وقال: أتشفع في حد من حدود الله، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.

فإنصاف الناس وإقامة الحدود عليهم وأخذ المجرم بجريمته فيه ردع للجميع عن البلايا والمحن، قطع اليد الواحدة تحفظ ملايين الأيدي وملايين النفوس، وهكذا إقامة الحد بالجلد والرجم والقتل ونحو ذلك فيه الحياة، وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة:179]، فلو أن المختطفين وغير المختطفين وقطاع الطريق لو نفذ فيهم حكم الله لما عادوا إلى الاختطاف، ولما عادوا إلى فعل الفساد في الأرض، فالمجرم إذا عرف أنه يقتل والسارق إذا عرف أنه يقطع لا يعود إلى الجريمة، بل يقف عند حده، وهكذا السكير إذا عرف أنه يؤخذ وأنه يقام عليه الحد ثمانين جلدة ولا مانع من أن ينفى من بلاده ولا مانع أن يعامل بمعاملة أخرى من سجن وغيره حتى يرتدع عن جريمته، حتى ذهب جمع من أهل العلم على أن السكران إذا تعدد رجوعه للسكر وتكرر ولم يرتدع بحد الجلد جاز لولي الأمر أن يقتله حتى يريح الناس من شره، ذهب جمع من أهل العلم إلى أن السكران إذا تكرر سكره ولم يرتدع بالحد فإنه يقتل حتى يستراح من شره وبلائه، وجاء في بعض الروايات أن النبي ﷺ أمر الشارب إذا عاد إلى الرابعة يقتل، وقد توقف بعض أهل العلم في ذلك وقالوا يجلد حتى ينتهي مرة بعد مرة، ولكن بعض الناس لا ينفع فيه الجلد، نعوذ بالله، بل يستحكم فيه حب الخمر وحب الشراب واعتياده حتى يتكرر منه المرات الكثيرة التي لا تحصى، فلو علم أنه يقتل بعد الرابعة أو في الرابعة لكانت له حال أخرى، ولعرف كيف يرتدع عن سكره وضرره على الناس.

فالمقصود أن الحدود فيها حياة للناس، الحدود والعقوبات الشرعية فيها حياة الأمة، وفيها نجاتها من شر أنفسها ومن شر أعدائها وخصومها.