وأما حديث الخثعمية التي سألت النبي ﷺ في حجة الوداع عند مرجعه من مزدلفة إلى منى في حجة الوداع قالت: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير، أدركته فريضة الله ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال: نعم حجي عن أبيك فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، فصرف وجه الفضل عنها، صرفه إلى الجهة الأخرى، قالوا هذا يدل على أنها كانت متكشفة، وهذا غلط، فإنه ليس بدليل على أنها متكشفة، قد ينظر إليها وتنظر إليه وليست متكشفة، قد تميل الوجه إليه وهي متخمرة، وينظر إليها إلى حسن كلامها إلى صوتها إلى خدها القائم مع الستر، ليس بضروري أن تكون متكشفة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى الحاجة أن تنتقب، وأن تلبس القفازين، والنقاب هو البرقع الذي يلبس على الوجه، وفيه خرق للعين أو خرقان، والقفاز شيء يلبس في اليد، القفازان تلبسان في اليدان مثل ما يفعل الذين يحملون الصقور دون أيديهم، فالرسول نهى المحرمة عن ذلك، وبين أصحابه، وما عرف من القاعدة الإسلامية أن الحجاب يكون بغير النقاب، والمعنى لا تنتقب لا تلبس النقاب، ولم يقل لا تختمر، ولم يقل لا تغط وجهها، ولم يقل لا تغط يديها، إنما قال: لا تنتقب ولا تلبس القفازين، فتغطي يديها بثيابها الأخرى، بعباءتها، بجلالها، ما هو لازم القفاز، وتغطي وجهها بالخمار الذي يسدل على وجهها من رأسها بدلًا من النقاب، والرجل ممنوع بأن يغطي بدنه بالقميص ويغطيه بالرداء ويغطيه بالإزار، المحرم ممنوع يغطيه بالقميص، فالقميص ممنوع والرداء مباح، وهكذا المرأة تمنع من تغطية وجهها بالنقاب واليدين بالقفازين، لكنها لا تمنع من تغطيته بالخمار أو تغطي يدها بثيابها الأخرى، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: "كنا مع النبي ﷺ في حجة الوداع، فإذا دنا منا الرجال أسدت إحدانا خمارها على وجهها، فإذا بعدوا كشفنا" وهكذا جاء عن غيرها، كانت عائشة رضي الله عنها تأمر النساء أن يسدلن خمرهن على وجوههن عند قرب الرجال، وإذا خلون وحدهن كشفن وهن محرمات.
فالحاصل أن دعاة السفور ليس في أيديهم شيئًا يتمسكون به، إنما هو إما غلط وظن شيء ليس بحجة، وإما الهوى وعدم حسن القصد، فأهل العلم والإيمان الذين قالوا بجواز كشف وجهها ويديها بنوه على ما يحتجون به من حجة ضعيفة غلطوا فيها، وإن كان قصدهم صالحًا رحمة الله عليهم، لكن غلطوا فيها، ودلت الأدلة على غلطهم، وأن هذا كان قبل نزول الحجاب، وبعد نزول الحجاب انتهى هذا.