ثم بعد كتاب الله العناية بالسنة سنة الرسول ﷺ، من أقوال وأعمال وتقريرات، فإن سنته ﷺ هي المفسرة لكتاب الله، وهي الدالة على كتاب الله، والموضحة لما قد يخفى من كتاب الله، كما قال المولى سبحانه: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، فهو يبين لما نزل على الناس من كتاب الله عليه الصلاة والسلام، ولما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله عليه الصلاة والسلام قالت: أتقرأ القرآن؟ تقول للسائل قال: بلى، قالت: إن خلقه القرآن، يقول الله : وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، قالت كان خلقه القرآن، المعنى أنه كان يعتني بالقرآن، ويكثر من تلاوته، ويتدبره، ويعمل بما فيه عليه الصلاة والسلام، فهكذا ينبغي لأمته المتأسين به والمقتدين به أن يعنوا بذلك، كما قال : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21].
فالتدبر لكتاب الله والعناية به من أسباب التوفيق والهداية في جميع الأمور، تدبر كتاب الله والعناية بكتاب الله والإكثار من تلاوته بقصد الهداية وقصد الفائدة هو الكفيل بأسباب التوفيق والهداية بتوفيق الله .......، فإن من تدبر هذا الكتاب العظيم طالبًا الهدى مريدًا للخير وفقه الله ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57]، وقال سبحانه: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89].
فيا عباد الله عليكم بهذا الكتاب العظيم، عليكم به تلاوة، وتعقلًا، وتدبرًا، وعملًا، وعليكم بسنة رسوله عليه الصلاة والسلام العظيمة الوحي الثاني والأصل الثاني، عليكم بها أيضًا اجمعوها، واحفظوا ما تيسر منها، وتدبروها، وتعقلوها، فإنها وحي من الله لنبيه ﷺ، وأصل عظيم لمعرفة الأحكام والشرائع، وأسباب الهداية والنجاة، وأسباب السعادة، كما أنها أصل عظيم لمعرفة ما حرم الله، وما كرهه الله، ومعرفة أسباب الشقاء والهلاك.