يقول : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، يخبر سبحانه أن المؤمن مفلح، فماذا تريد بعد ذلك مادام الفلاح قد وعدك الله به أيها المؤمن، فبادر بأخلاق المؤمنين، وخذ بها، واصبر عليها أينما كنت في السفر والحضر في الشدة والرخاء في الصحة والمرض في البيت والمسجد في الطريق في كل مكان، تخلق بهذه الأخلاق العظيمة، واستقم عليها، فالاستقامة لا بد منها، لا تكن مذبذبًا مع الكفار تارة ومع المؤمنين تارة، ولا مع العصاة تارة ومع الأبرار تارة لا، كن مع المؤمنين أبدًا، كن مع الأبرار والأخيار دائمًا أينما كنت، وجاهد هذه النفس جاهدها في الله وصبرها، فالمدة قليلة أيام قلائل وساعات قلائل ولو عمرت ألف عام فكلها قلائل ثم تنتهي، وأنت لا تدري ماذا تعمر، هل تعمر سنوات كثيرة أو قليلة، فالحزم كل الحزم، والحيطة كل الحيطة، والعقل الحقيقي المثمر أن تعمل بالحيطة، وأن تستقيم أبدًا حتى تلقى ربك، ولو كنت ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة أو أكثر من ذلك استقم حتى تلقى ربك، لا تقل: أنا أمتع كذا، وأعمر كذا، وبعد الكبر أراجع هذه الأعمال وأتوب، فهذا من خداع الشيطان، هذا من خداعه ومكره وكيده، فمن لك أن تعيش ومن لك أن توفق للتوبة من يضمن لك ذلك، فأنت لا تدري هل تمتع أو لا تمتع، هل تعيش سنوات أو أيامًا، وهل توفق للتوبة أو يحال بينك وبينها بأعمالك السيئة.
يقول سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: 1] معنى أفلحوا: ظفروا وفازوا بما يسرهم، وحصلوا على أسباب النجاة والسعادة، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: 1] يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: لما غرس الله جنة عدن وجعل فيها ما جعل من الخيرات قال لها: تكلمي قالت: قد أفلح المؤمنون فهذه هي الدار، هذه منزل الملوك، منزل السعداء، منزل الأخيار، هذه الدار دار النعيم والسعادة دار الكرامة، أعد الله لأهلها فيها من النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما قال جل وعلا: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] هكذا يقول جل وعلا في أهل الجنة.
ويقول سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] ما أكثر من يقول: ربي الله، ولا إله إلا الله، ولكن لا يستقيم ينحرف هكذا وهكذا مع الشهوات والأهواء، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت: 30]، يعني: ثم ثبتوا على قول لا إله إلا الله، وعلى إيمانهم بالله ربًا وإلهًا، واستقاموا على طاعته والإخلاص له، وتوحيده والإيمان به، واستقاموا على ترك مناهيه، واستقاموا على الوقوف على حدوده ، لم ينحرفوا يمينًا ولا شمالًا مع الأهواء، بل استقاموا وثبتوا على توحيد الله وطاعته، فمالهم؟ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ [فصلت: 30] وماذا تقول لهم: أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت: 30-31]، يعني: ما تطلبون، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت: 32]، هكذا يقال لهؤلاء عند الموت عند خروج الأرواح يبشرون بالسعادة والخير، تقول لهم الملائكة ملائكة الرحمة النازلة عند خروج الأرواح: أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت: 30-32]، وقال في الآية الأخرى في سورة الأحقاف: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف: 13-14]، هذه حال المستقيمين الثابتين على الحق.