20- باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده
في الصحيح عن عائشة: "أن أم سلمة ذكرت لرسول الله ﷺ كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور؛ أولئك شرار الخلق عند الله. فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل.
ولهما، عنها، قالت: "لما نُزل برسول الله ﷺ طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال - هو كذلك-: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا"  أخرجاه.
ولمسلم عن جندب بن عبدالله قال: سمعت النبي ﷺ قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا. ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد؛ ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك. فقد نهى عنه في آخر حياته. ثم إنه لعن - وهو في السياق - من فعله.
والصلاة عندها من ذلك وإن لم يبن مسجد، وهو معنى قولها: "خشي أن يتخذ مسجدا"، فإن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا، كما قال ﷺ: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.
ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود مرفوعا: إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجدورواه أبو حاتم في صحيحه.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الترجمة أراد بها المؤلف التأكيد لما تقدم، يقول رحمه الله في هذا الباب مؤكدًا لما تقدم من التحذير من الغلو وأسباب الشرك يقول رحمه الله: باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟! يعني جاءت النصوص تدل على شدة الإثم، وعظم الإثم في التعبد عند القبور؛ لأنه وسيلة إلى الشرك فكيف إذا وقع الشرك كان الأمر أعظم! كيف إذا عبدت من دون الله واتخذت آلهة؟ صار الأمر أعظم! صارت الغاية وقعت وهي الشرك نسأل الله العافية، فالرسول ﷺ نهى وحذر من اتخاذ القبور مساجد؛ لأن هذا وسيلة إلى الشرك وذريعة فإذا وقع الشرك فذلك هو الغاية القصوى التي هي غاية الشر والفساد، قال الله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13]، وقال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 48].
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة ذكرت للنبي ﷺ كنيسة، الكنيسة معبد النصارى رأتها في أرض الحبشة والحبشة غالبهم من النصارى وقد أسلم كثير منهم، فقال: أولئكِ إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئكِ شرار الخلق عند الله!
أولئكِ بكسر الكاف خطاب للمرأة لأم حبيبة، وأم حبيبة هي بنت أبي سفيان بن حرب زوجة النبي ﷺ أم المؤمنين كانت مع  زوجها في الحبشة ثم تزوجها النبي ﷺ.
فبين ﷺ أن المشركين كانوا يتعبدون عند القبور ويصورون الصور، فالواجب الحذر من أخلاقهم وسيرتهم.
أولئكِ إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور صور فلان وفلان.
أولئك شرار الخلق عند الله يعني هؤلاء الذين يتخذون الصور على القبور ويعبدونها من دون الله هم شر الخلق، فنصب الصور وسيلة إلى الشرك وبناء المساجد على القبور وسيلة إلى الشرك، فكلاهما وسيلة بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور على القبور أو في بيوت المصورين أو في المساجد كلها وسيلة إلى الشرك كما فعل قوم نوح في ود وسواع ويغوث ويعوق فوقع الشرك.
ثم بين ﷺ أن أولئكم شرار الخلق عند الله؛ لأن شرار الخلق هم الكفار، وخيار الخلق هم المؤمنون فالمؤمن بالله ورسوله هم خيار الخلق وعلى رأسهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وشرار الخلق هم عباد غير الله وعلى رأسهم أئمتهم كفرعون وأشباهه.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، قالت: لما نُزل برسول الله يعني لما نزل به ملك الموت عند قرب الأجل، جعل يطرح خميصة له على وجهه الخميصة كساء فإذا اغتمّ بها كشفها، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد يحذر الناس في هذه الحالة حالة قرب الأجل من شدة نصحه وكمال نصحه لأمته عليه الصلاة والسلام، في هذه الحالة الخطيرة يقول ﷺ: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد قالت عائشة: يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك، يعني لولا الخوف أن يتخذ قبره مسجدًا لأبرز مع الناس في البقيع، ولكنه خُشي يعني خشي الصحابة أن يتخذ مسجدًا فدفنوه في بيت عائشة حتى لا يتوصل الناس إلى اتخاذه مسجدًا، والمقصود من هذا التحذير من التعبد عند القبور وعبادة أهلها ودعائهم من دون الله والاستغاثة بهم ونحو ذلك.
فالتعبد عند القبور وسيلة إلى الشرك، والعبادة لأهل القبور هو الشرك الأكبر.
وروى مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي أنه سمع النبي ﷺ يقول قبل أن يموت بخمس، يعني في مرض موته: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليلاً؛ فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، وفي رواية قال: ولكن أخوة الإسلام يعني كافية، والخلّة معناها أعلى المحبة، والله اتخذه خليلاً وهو المحبوب الذي قد أعطي أعلى المحبة كما اتخذ إبراهيم خليلاً في قوله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء: 125].
ولو كنتُ متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذتُ أبا بكر خليلاً فيه الشهادة لفضل أبي بكر وأنه أفضل الصحابة ولو  كان يجوز له أن يتخذ خليلاً لاتخذه رضي الله عنه لكمال محبته له ولصدقه في اتباع الرسول ﷺولكونه بذل أمواله وجاهه وبدنه وقوته في نصر دين الله رضي الله عنه وأرضاه.
ألا وإن من كان قبلكم جاء التحذير ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد في رواية مسلم زيادة: وصالحيهم والمؤلف كأنه نقل من اقتضاء الصراط المستقيم، واقتضاء الصراط المستقيم سقطت منه كلمة صالحيهم، وهو في مسلم.
ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك بالغ في النهي، فيجب على المؤمن وعلى أهل الإيمان أن يحذروا اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد؛ لأن هذا هو الشرك متى تعبد الناس هؤلاء وقعوا في الشرك.
قال المؤلف رحمه الله: فقد نهى النبي ﷺ عن ذلك في آخر حياته من حديث جندب، وأكد هذا عند خروج روحه كما في حديث عائشة، وكل موضع يصلى فيه يتخذ مسجد، كل موضع يبنى فيه مسجد يسمى مسجد، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدًا، كما قال النبي ﷺ: جعلت الأرض لي مسجدًا وطهورًا فالواجب أن يحذر المسلم اتخاذ القبور مساجد أو الصلاة عندها أو اتخاذها محلاً للعكوف والدعاء كل هذا من وسائل الشرك.
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺأنه قال: إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد فالذين يبقون حتى تقوم الساعة هم من شرار الناس، لا تقوم الساعة إلا على الأشرار، فإن الله يبعث ريحًا طيبة في آخر الزمان تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ولا يبقى إلا الأشرار وهم الكفار فعليهم تقوم الساعة، وتقوم عليهم الساعة وهم يتهارجون كتهارج الحمر يعبدون غير الله ويشركون به سبحانه ولا يعرفون ربًا ولا إلهًا.
ومن تدركهم الساعة وهم أحياء هم من شرار الناس، وهكذا من يتخذ القبور مساجد؛ لأنهم بعملهم دعاة إلى الشرك.
نسأل الله للجميع الهداية، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على رسول الله.