59- باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد

 
وقول الله تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة: 128].
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم رواه أبو داود بإسناد حسن، رواته ثقات.
وعن علي بن الحسين: "أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي ﷺ فيدخل فيها فيدعو، فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله ﷺ قال: لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي، فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم رواه في المختارة.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الباب في حماية النبي ﷺ جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك، النبي عليه الصلاة والسلام حمى حمى التوحيد وحمى جانبه لئلا يقع العباد في الشرك.
يأتي في آخر الكتاب ما جاء في حماية النبي ﷺ حمى التوحيد، وهنا جناب التوحيد، وجناب الشيء جانبه فقد حمى جنابه وحمى حماه أيضاً بالتحذير من البدع والمعاصي التي تجر إلى الشرك، يقول رحمه الله: باب ما جاء في حماية المصطفى ﷺ جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك، يعني بنهيه ﷺ عن وسائل الشرك ومن ذلك: 
قوله ﷺ في حديث أبي هريرة: لا تجعلوا قبري عيدًا، ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم فقوله: لا تتخذوا قبري عيدًا، هذا سدًا للذريعة لئلا يتخذوه عيدا يتكرر للمجيء إليه وربما غلوا فيه وكان هذا من أسباب الغلو، فنهى أن يتخذ قبره عيدًا يتجمعون إليه في السنة مرة أو مرتين أو في الشهر، لا بل متى تيسرت الزيارة زار من غير تجمعًا يزور المسجد النبوي ثم يسلم على النبي ﷺ، أما أن يتخذها زيارة رسمية يحصل بها التجمع فهذا هو الذي أنكره النبي ﷺ ولا أجاز لأمته فعله، والعيد هو ما يعود ويتكرر كعيد الأضحى وعيد الفطر وأشباه ذلك، فنهى أن يتخذ قبره عيدًا يتجمع الناس إليه في يوم ما من الشهر أو من السنة بل متى تيسرت الزيارة من دون تحديد وقت ومن دون تجمع فلا بأس، قربة إلى الله جل وعلا. قال ﷺ: زوروا القبور ؛ فإنها تذكركم الآخرة.
وثبت عنه ﷺ أنه قال: ما من عبد يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام فرد السلام والسلام عليه عليه الصلاة والسلام كل هذا أمر مطلوب، فالسلام عليه جاء في الحديث: ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه رواه أبو داود بإسناد حسن، وبكل حال فالسلام عليه دعاء له بالسلامة، والرحمة والبركة، فالدعاء له والصلاة عليه عليه الصلاة والسلام والثناء عليه، هذا أمر مطلوب في كل مكان وفي كل زمان، أما أن يتخذ قبره عيدًا يتكرر في الشهر أو في الأسبوع أو في السنة فلا يجوز اتخاذ القبور أعيادًا لا قبره ولا قبره غيره عليه الصلاة والسلام.
ولا بيوتكم قبورًا يعني معطلة من الصلاة وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم يعني حيث كان الإنسان في بر أو بحر أو في جو فالصلاة تصل إليه عليه الصلاة والسلام ويبلغ إياها، وفي الحديث الصحيح: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام.
فالصلاة عليه ﷺ قربة وطاعة يأتي بها المؤمن في الليل والنهار وفي جميع الأوقات.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
هذا نوع من الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام، فإذا سمع من يذكره وإذا تكلم الإنسان في حقه أو شيء أتبعها بالصلاة عليه.
وفي الحديث الصحيح: رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليّ، ولكن صلاته ليس معها اتخاذ قبره عيدًا، بل متى صلى وسلم عليه في أي مكان وفي أي وقت كان هذا هو المطلوب وهو الأفضل، أما اتخاذ ذلك في وقت معين وأيام معينة تتكرر هذا هو البدعة.

وهكذا حديث علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يُقال له زين العابدين رأى رجلاً يجيء إلى فرجة عند قبر النبي ﷺفيدخل فيها ويدعو، فلما رآه خاف عليه من الغلو ونهاه عن هذا الفعل، وقال له في اللفظ الآخر: ما أنت ومن في الأندلس إلا سواء، يعني فلا حاجة إلى الدخول في هذه الفرجة، ثم أخبره أن سمع أباه عن جده عن النبي ﷺ يقول: لا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم، فالمصلي تنقل صلاته ويبلغها عليه الصلاة والسلام ولا حاجة إلى أن يتكلف بل صلاته تبلغ إلى النبي ﷺ: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام.
وفي الحديث الصحيح: وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم.
وليحذر من الغلو فإنه يسلم ثم ينصرف، علي خاف على هذا الرجل من الولوج في الغرفة، خاف عليه من الزيادة التي تضر وحذره وأن وجوده هنا أو في الأندلس سواء؛ يبين أن ربه قريب مجيب يدعى في كل مكان ويسأل، لا يحتاج إلى مزيد على هذا بل من حين يصلي على النبي ﷺ والملائكة تنقل ذلك.
فهذا كله يدلنا على أنه ينبغي الإكثار من الصلاة والسلام عليه في الطريق في البيت في المسجد في أي مكان، وأن قبره لا يجوز أن يتخذ عيدًا يحدد له وقتًا يتجمع فيه الناس لا، بل متى تيسرت الزيارة زاره في المسجد وسلم عليه.
وهكذا البيوت لا تتخذ قبورًا تهجر من الصلاة والقراءة بل يشرع للمؤمن أن يصلي في بيته ما تيسر من صلاة الضحى بعض النوافل صلاة الليل، لأنها معدة للعبادة، والبيوت ينبغي ألا تخلو من العبادة، المساجد معدة للعبادة، والبيوت ينبغي ألا تخلو من العبادة؛ لأن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة كما جاء في الحديث: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا؛ فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة.
والمقصود أن الرسول ﷺ حثنا على الصلاة والسلام عليه والرغبة في ذلك، وحث بعض أصحابه على هذا الذكر مثلما ما جاء في حديث علي بن الحسين ومن حديث أبي هريرة فحثهما على أن يصلوا ويسلموا عليه في أي مكان وأن لا يتخذ قبره عيدًا، يعني يتكرر مجيئه في الشهر أو في الأسبوع أو في الليلة؛ لأن هذا وسيلة إلى الغلو، ولكن متى تيسرت زيارة المسجد وزيارة قبره زاره وسلم عليه عليه الصلاة والسلام من دون غلو، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر، ويدعو له ويسلم على الصديق ويدعو له، ويسلم على عمر وهكذا في القبور الأخرى إذا زارها يسلم عليهم ويدعو لهم وينصرف.
وفق الله الجميع.