25- باب بيان شيء من أنواع السحر

باب بيان شيء من أنواع السحر
قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف، عن حيان بن العلاء، حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه أنه سمع النبي ﷺ قال: إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت.
قال عوف: العيافة: زجر الطير. والطرق: الخط يخط بالأرض.
والجبت: قال الحسن: "رنة الشيطان" إسناده جيد.
ولأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه المسند منه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد رواه أبو داود، وإسناده صحيح.
وللنسائي من حديث أبي هريرة : "من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك. ومن تعلق شيئا وكل إليه".
وعن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: ألا هل أنبئكم ما العضة؟ هي النميمة القالة بين الناس رواه مسلم.
ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: إن من البيان لسحرا.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الباب ذكره المؤلف وهو الشيخ الإمام أبو عبدالله محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه كتاب التوحيد الذي ألفه في حريملاء ونشره بين الناس في حريملاء وفي الدرعية وفي عيينة وانتشر بين المسلمين ونفع الله به المسلمين. وهو كتاب جيد كما تقدم ذكر فيه جملة كبيرة مما يتعلق بالتوحيد والعقيدة وما يتعلق ببعض البدع والمنكرات.

يقول رحمه الله: باب بيان شيء من أنواع السحر، مثل ما تقدم أن السحر من أقبح المحرمات وأنه لا يتوصل إليه إلا بالشرك وعبادة الشياطين، وتقدم ما كان في ذلك ذكر هذا الباب في بيان شيء من أنواعه، منها ما جاء في حديث قبيصة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت، قال عمر: والجبت السحر، وقال غير عمر: الجبت كل شيء لا خير فيه، والمعنى أن العيافة وهي ما يعتاده العرب من زجر الطير والتشاؤم، والطرق ما يخط في الأرض يخطه السحرة يوهمون أنهم يعرفون به الحوادث وإنما هي خدمة للشياطين وتعاون مع الشياطين والجن في ذلك.
هكذا الطيرة وهي التشاؤم بالمرئيات والمسموعات كما تعرفه العرب في جاهليتها يتشاءمون تارة بكذا وتارة بالكلب الذي صفته كذا وبالحمار الذي صفته كذا بالمرأة بفلان بكذا بكذا حتى تردهم عن حاجاتهم، وأخبر النبي ﷺ أن هذا من الجبت.

وفي الحديث الآخر: الطيرة شرك كما يأتي في باب التطير، فلا يجوز العيافة وهي التشاؤم بالطيور ولا الطرق وهو الخط في الأرض ليزعم أنه يدرك بهذا أمور الغيب، وإنما هي تخييل وتلبيس وإلا فهو طاعة للشياطين وخدمة لهم، وهكذا الطيرة من الشرك الطيرة نفسها التشاؤم بالمرئي أو المسموع فهو من الشرك، فالواجب الحذر منه وأن الإنسان يمضي في حاجته حتى لو سمع صوت طيرًا لا يعجبه أو رأى حيوانًا لا يعجبه  في الطريق يمضي في حاجته ولا يتشاءم، يقول النبي ﷺ: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفركما يأتي إن شاء الله.
فتشاؤم أهل الجاهلية بالطيور أو بكذا وكذا كله باطل لا أساس له وليس فيه شيء إنما هو ظن فاسد، فالمقصود من هذا أن المؤلف يبين أن هذه الأشياء من جملة ما يتعاطاه السحرة، وهي زجر الطير والخطوط بالأرض والتطير، كل هذا من أنواع السحر والعيافة نوع من التطير تتعلق بالطيور، والطيرة أعم تعم الطيور وغير الطيور.
ولأبي داود والنسائي وابن حبان المسند منه يعني المرفوع عنه ليس عنده زيادة والعيافة زجر الطير والخط خط الأرض، ليس هذا عند أبي داود والنسائي.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاديبين لنا أن تعلم النجوم من جملة أنواع السحر كونه يتعلمها ليستفيد منها في إصابة فلان أو شفاء فلان أو علم بالمغيبات هذا من أعمال السحرة، فالنجوم ليس عندها خير ولا شر، ليس عندها علم بالمغيبات، الله خلقها لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامة يهتدى بها، فليس عندها سوى ذلك، فتعلمها ليعرف بها علوم الغيب هذا من عمل السحرة.

وفي النسائي: من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، هذا من عمل السحرة العقد عقد الخيوط والنفث فيها لمقاصدهم هذا من أعمالهم؛ كما قال تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق: 4]، يعقدون ثم يفعلون أشياء يزعمون أن هذا يتمم مقاصدهم ويحصل به المقصود مما يريدون بواسطة شياطين الجن.
وفيه أن الساحر مشرك؛ لأنه يعبد غير الله ويعبد الجن؛ كما قال تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ [البقرة: 102]، وقال تعالى: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ [البقرة: 102]، ومن تعلق شيئًا وكل إليه، من تعلق على الله كفاه الله ما أهمه، ومن تعلق على الطيرة أو على السحرة أو على النجوم خاب وخسر نسأل الله العافية.
وقوله ﷺ: ألا هل أنبئكم ما العضة؟ هي النميمة القالة بين الناسهي الشيء يطلق على الشيء الذي لا خير فيه ولا على السحر، المعنى ليس هو السحر الذي يتعلق به الشياطين ولكنه السحر الذي يضر الناس كما قال بعضهم: يفسد النمام والكذاب في الساعة ما لا يفسده الساحر في السنة! فالنميمة تسمى عضة وهو الشيء الذي لا خير فيه، ويطلق العضة على السحر فالمعنى أن النميمة شرها عظيم كالسحر بل أقبح من السحر، لما يترتب عليها من الفساد بين الناس والشحناء بين القبائل وبين الأفراد وبين الحمائل فشرها عظيم، ولهذا قال: هي النميمة القالة بين الناس، يعني الفاشية بين الناس.

والنميمة نقل الكلام السيئ من قوم إلى قوم أو من عرب إلى عرب أو من شخص إلى شخص، هذه النميمة؛ لأنها تثير الشحناء والعداوة، يقول النبي ﷺ: لا يدخل الجنة نمام، وسماها سحرًا العضة لخبثها وضررها.
ولهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا يعني يقول النبي ﷺ: إن من البيان لسحرًا،  يعني البلاغة وحسن صيغة الكلام والتكلف قد يسحر الناس بهذا، يسحر عقولهم وأسماعهم فيظنونه صادقًا وهو كاذب من كثرة بيانه وحسن تصرفه في الكلام يسحر الناس بهذا، فإذا كان في باطل فهو منكر، وإذا كان في حق فلا بأس، إذا كان إيضاحًا للحق فلا بأس، أما إذا كان في باطل فهو أشد الإثم نسأل الله العافية.
وهكذا التكلف لغير حاجة لا يجوز؛ ولهذا في الحديث: إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها يعني يتكلف من دون حاجة يتقعر في كلامه ويتكلف يعني اعرفوني أني أحسن الكلام وأني جيد، فهذا زجر عنه النبي ﷺوأخبر أنه مما يبغض إلى الله جل وعلا فالبيان قسمان:
بيان في الحق، فهذا ممدوح.
وبيان في الباطل فهذا هو المذموم، وهو سحر مذموم.
نسأل الله العافية.
وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: البيان الذي يتوصل به إلى إحقاق حق هل يقال أنه سحر؟
ج: لا، البيان الطيب من السحر المباح إذا كان في نصر الحق.
س: ما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: كان نبيًا من الأنبياء يخط خطًا؟
ج: هذا خط الأنبياء ما يعلم، والخطوط الذي يفعله الناس لأجل التطير والسحر، أما خط الأنبياء لا يعلم.
س: إذا عرف الساحر ولكن ليس عليه إثباتات؟
ج:  على ولي الأمر أو هيئة شرعية تنظر في الأمر إذا ثبت عندها تحكم بالشرع.
س: ألم يرد عن بعض الصحابة وضربه بالسيف؟
ج: هذا يروى عن بعض الصحابة هذا إن صح لأن الحديث فيه نظر، وهو من اجتهاد الصحابي الجليل رضي الله عنه إذا صح، لكن الواجب أن هذا يوكل إلى ولي الأمر، ولهذا سجنه الوليد فيما روي؛ لأن هذا يترتب عليه أخطار كثيرة. لا بد يوكل إلى ولاة الأمور.