41- باب من سب الدهر فقد آذى الله

باب من سب الدهر فقد آذى الله
وقول الله تعالى وقالوا: مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ [الجاثية: 24].
في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: قال تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار. وفي رواية: لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الباب عقده المؤلف في بيان منع سب الدهر، لأن كثيرًا من الناس لجهله إذا ضاقه أمر وحزبه أمر سب الدهر، لا بارك الله في هذه السنة، لا بارك الله في هذه الساعة، لا بارك الله في هذا اليوم، أو ما أشبه ذلك لجهله، فلا يجوز سب الدهر، بل ذلك من التأسي بالجاهلية، حيث قالوا: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] ما عندهم إيمان بالآخرة والبعث والجزاء، فالله جل وعلا هو مقلب الدهر، والدهر هو الزمان والله خالقه ومقلب ليله ونهاره فلا يسب فليس في يده شيء لا ينفع ولا يضر الدهر، وليس في يد الدهر عطاء ولا منع، بل هو مخلوق ومدبر ليل ونهار بأمر الله جل وعلا، ولهذا قال ﷺ: لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر وفي اللفظ الآخر: مقلب ليله ونهاره، وفي اللفظ الآخر: يقلب الليل والنهار، فأنا الدهر يعني خالقه ومدبره ومسيره في ليله ونهاره.
وفي اللفظ الآخر يقول الله جل وعلا: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب ليله ونهاره، فهذا يدل على أن سب الدهر أذية لله وإغضاب لله فلا يجوز سبه لا بالشتم ولا بغيره، لا يقال: لعن الله الدهر أو فعل الله بالدهر، أو أشغلنا هذا الدهر، أو لا بارك الله في هذا الزمان أو في هذه الليلة أو في هذه الساعة كل هذا لا يجوز، بل إذا أصابه شيء يكرهه يقول: قدر الله وما شاء فعل إنا لله وإنا إليه راجعون، يسأل ربه العافية والسلامة فالدهر ليس بيده شيء، ليل ونهار مدبران مسيران فليس في يدهما عطاء ولا منع، ولا شدة ولا رخاء ولا خير ولا شر بل هما آيتان من آيات الله سخرهما لعباده جل وعباه، كما قال تعالى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص: 73]. 
وقال تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ۝ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ۝ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ۝ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: 40] فهذه الآيات من أرض وسماء ونجوم وليل ونهار كل ذلك من تسخير الله ومن خلق الله لهؤلاء العباد لينتفعوا بشمسهم وقمرهم وليلهم ونهارهم وحرهم وبردهم وسائر ما خلق الله لهم، قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29]. 
وقال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية: 13] منه عطاء ونعمة وإحسانًا إلى عباده، فلا يجوز مقابلة هذا الإحسان وهذا الخير بالسب للدهر، ولكن تقول: قدر الله وما شاء فعل، مثل ما جاء في الحديث الصحيح حديث أبي هريرة يقول النبي ﷺ: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، ثم يقول ﷺ: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان، وقال سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۝ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 155- 157].
هذا هو الحكم الشرعي وهذا هو الأدب الشرعي.
وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: هل الدهر من أسماء الله؟
الجواب: لا، خالق الدهر، الله خالقه، ولهذا قال جل وعلا: «أقلب ليله ونهاره».
س: إذا سب الواحد الدنيا؟
ج: كذلك لا يسب الدنيا ولا يسب الدهر.