45- باب قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا}

 
باب: قول الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ [فصلت: 50]
قال مجاهد: "هذا بعملي، وأنا محقوق به".
وقال ابن عباس: "يريد من عندي".
وقوله: "إنما أوتيته على علم عندي" قال قتادة: "على علم مني بوجوه المكاسب".
وقال آخرون: "على علم من الله أني له أهل" وهذا معنى قول مجاهد: "أوتيته على شرف".
وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: قال: لون حسن وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به. قال: فمسحه فذهب عنه قذره، فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال الإبل أو البقر - شك إسحاق - فأعطي ناقة عشراء وقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال شعر حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به. فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعرا حسنا، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: البقر أو الإبل. فأعطي بقرة حاملا، قال: بارك الله لك فيها. فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس فمسحه فرد الله إليه بصره قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدا فأنتج هذان وولد هذا، فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم. قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلغ به في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله المال؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر. فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت. وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد عليه هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأعمى في صورته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك فإنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك أخرجاه.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد عقد المؤلف رحمه الله، وهو الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هذا الباب لبيان ظلم الإنسان وجحود الإنسان وأنه يغلب عليه الجحود وعدم الإقرار بالنعم هذا هو الغالب على الإنسان؛ كما قال جل وعلا عن الإنسان: لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي [فصلت: 50] يعني هذا الذي عنده من عندي ومن أسبابي ومن كسبي، قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به، وقال في قوله تعالى عن قارون: أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص: 78] يعني على علم عندي بوجوه المكاسب، وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل، وقال آخرون: على شرف لي وأني ذو شرف؛ ولهذا أعطيت هذا المال، المقصود من هذا كله أن الغالب على بني آدم الجحود وعدم الإقرار بالنعم إلا من وفقه الله وهداه واعترف بالنعمة وشكر المنعم سبحانه وتعالى فالواجب على المؤمن أن لا يتأسى بهؤلاء وأن يحذر أخلاق هؤلاء، وأن يشكر نعم الله من الصحة والمال والبصر وغير هذا مما يعطيه الله جل وعلا، ولا يتأسى بهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله قصة الأبرص والأقرع والأعمى؛ لأنها داخلة في هذا الباب، وهم ثلاثة فيمن قبلنا، امتحنهم الله بالسراء والضراء، أحدهم أبرص والثاني أقرع والثالث أعمى كانوا في بني إسرائيل من قبلنا، فأرسل الله إليهم ملكًا، يبتليهم بالسراء بدل الضراء، فقال له الملك: أي شيء أحب إليك؟ قال: جلد حسن ولون حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به، وهو البرص، فمسحه فأذهب الله عنه البرص، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو البقر شك الراوي، فأعطي ناقة عشراء يعني في بطنها ولد، فقال له الملك: بارك الله لك فيها، ثم أتى الأقرع فقال له مثل ما قال للأبرص، قال: شعر حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به، فمسح رأسه وأعطاه الله شعرًا حسنًا، قال: أي المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملاً، وقال له الملك: بارك الله لك فيها، ثم أتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري، فأبصر به الناس، فمسحه ورد الله عليه بصره، قال: أي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطى شاة والدًا يعني ولود، وقال له: بارك الله لك فيها، فأنتج هذان صاحب الإبل والبقر انتجا، والناقة انتجت بكرة، والبقرة أنتجت وصار لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر أجاب الله دعوة الملك، فأنتجت ناقة هذا وبقرة هذا وأنتج النتاج وكثرت الإبل والبقر عندهم، وهكذا الأعمى أنتجت شاته فصار عنده واديًا من الغنم، وهذا ابتلاء وامتحان، ابتلوا بالضراء ثم السراء، ثم جاءهم الملك امتحانًا لما أعطاهم الله هذه النعم امتحنهم بهذا السائل، فجاء الملك في صورة أبرص فقير يسأل، يقول: أنا ابن سبيل وقد انقطعت بي الحبال يعني انقطعت بي الأسباب ما عندي شيء، أسألك بعيرًا أتبلغ به في سفري هذا! جاءه في صورة أبرص حتى يتذكر حاله الأولى إذا رآه يتذكر حالته الأولى وفقره، لكن ما نفعت فيه! فقال: الحقوق كثيرة، ما عندنا شيء، تعذر، قال: ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيرًا فأعطاك الله المال؟! فجحد، وقال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر، جدًا عن جد، فقال له الملك: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت، والظن والله أعلم أنها أجيبت دعوة الملك وأنه رجع إلى حالته الأولى أبرص فقير، نسأل الله العافية بدعوة الملك، ثم أتى الأقرع فقال مثل ذلك: رجل فقير وابن سبيل، وقد انقطعت بي الحبال.. إلى آخره، أسألك بقرة أتبلغ بها، فقال الأقرع: الحقوق كثيرة، مثل الأبرص، فقال له: ألم تكن أقرع يقذرك الناس فأعطاك الله المال، قال: الحقوق كثيرة، نسي وجحد حاله الأولى، فقال له: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت، مثل ما قال للأبرص، مع أنه جاءه بصورته جاء الأبرص بصورته والأقرع بصورته حتى يتذكرا حالهما الأولى.
ثم توجه إلى الأعمى، فقال: ابن سبيل إلى آخره، أسألك شاة أتبلغ بها في سفري يعني أستعين بها في سفري، يعني أبيعها وأتخرج مالها، قال: قد كنت فرد الله إليّ بصري، فقيرًا فأعطاني الله المال، خذ ما شئت ودع ما شئت ما هو واحدة بس خذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله! فالأعمى وفق واعترف بالنعمة وشكرها وجاد على السائل، قال: خذ ما شئت يعني معناه خذ ثنتين أو ثلاث أو أربع الذي تحتاجه فوالله لا أمنعك اليوم من شيء أخذته لله، فقال له الملك: أمسك مالك، ما لي حاجة، وأخبره بالحقيقة وأخبره بالواقع، فإنما ابتليتم يعني أنت وفلان وفلان وقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك نسأل الله العافية .
ففي هذا وفي الآية الكريمة وفي قول سلفنا السابق، كل هذا فيه دلالة على أنه ينبغي للمؤمن أن يشكر الله على نعمه وإذا كان الله قد أعطاه نعمة في بدنه أن يشكرها، في ماله أن يشكرها، وأن يحذر الجحود والنسيان فإنه جدير بالعقوبة العاجلة والآجلة فليتق الله وليشكر الله على نعم المال ونعم الصحة ونعم الدين إلى غير هذا. ولا يكون جحودًا، بل يتذكر نعم الله عليه، ويشكر الله بطاعته وترك معصيته والإنفاق في سبيله، هذا هو الواجب على المسلم أن يشكر نعم الله التي من بها عليه بالجود والكرم والمساعدة للفقير ومواساة المحاويج كما قال الله جل وعلا: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ [التغابن: 16]، وقال تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد: 7]، وقال تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 274]، وقال تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين [سبأ: 39] .
وفي الصحيح أن النبي ﷺ قال: ينزل الله في كل يوم ملكين كل صباح يوم أحدهما يقول: اللهم أعط منفقًا خلفًا، والثاني يقول: اللهم أعط ممسكًا تلفًا فجدير بالمؤمن أن يتذكر نعم الله وأن يشكر الله بأنواع الشكر من القلب والقول والعمل والصدقة وعمل الطاعات المتعلقة بالبدن والمتعلقة بالمال.
وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: هل من شكر النعم التحدث بها؟
الجواب: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11] التحدث بها من شكرها على سبيل الشكر، على سبيل الاعتراف بنعم الله ما هو على سبيل الخيلاء أو التكبر.
س: حكم الشكر؟
الجواب: الشكر واجب، والكفر كفر النعمة محرم من الكبائر.
س: هل يحتج بجواز التمثيل بهذه القصة؟
الجواب: هذا ما هو تمثيل، هذا خلقته جاء بخلقته، التمثيل كونه يقول أنا عمر بن عبدالعزيز وأنا فرعون وأنا موسى هذا تمثيل.