01 من كتاب فتح المجيد، من باب: قول الله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون}

قوله: باب قول الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ۝ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ [الأعراف:191- 192].

قوله: أَيُشْرِكُونَ أي: في العبادة.

قال المفسرون: في هذه الآية توبيخ وتعنيف للمُشركين في عبادتهم مع الله تعالى ما لا يخلق شيئًا، وهو مخلوق، والمخلوق لا يكون شريكًا للخالق في العبادة التي خلقهم لها، وبيَّن أنهم لا يستطيعون لهم نصرًا ولا أنفسهم ينصرون، فكيف يُشركون به مَن لا يستطيع نصر عابديه، ولا نصر نفسه؟!

وهذا برهان ظاهر على بطلان ما كانوا يعبدونه من دون الله، وهذا وصف كل مخلوقٍ، حتى الملائكة والأنبياء والصَّالحين، وأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم قد كان يستنصر ربَّه على المشركين ويقول: اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أُقاتل.

وهذا كقوله: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا [الفرقان:3]، وقوله: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188]، وقوله: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ۝ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ۝ إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ [الجن:21- 23].

فكفى بهذه الآيات برهانًا على بطلان دعوة غير الله، كائنًا مَن كان، فإن كان نبيًّا أو صالحًا فقد شرَّفه الله تعالى بإخلاص العبادة له، والرضاء به ربًّا ومعبودًا، فكيف يجوز أن يُجعل العابدُ معبودًا مع توجيه الخطاب إليه بالنَّهي عن هذا الشِّرك؟! كما قال تعالى: وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88]، وَقَالَ: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [يوسف:40]، فقد أمر عباده من الأنبياء والصَّالحين وغيرهم بإخلاص العبادة له وحده، ونهاهم أن يعبدوا معه غيره، وهذا هو دينه الذي بعث به رسلَه، وأنزل به كتبه، ورضيه لعباده، وهو دين الإسلام، كما روى البخاري عن أبي هريرة في سؤال جبريل ، قال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تُشرك به شيئًا، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان .. الحديث.

الشيخ: وهذا فيه الردّ على المشركين: عُبَّاد القبور، وعباد الأولياء، الله جلَّ وعلا أنكر عليهم بقوله: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ۝ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ، فهو مخلوقٌ لا يخلق، ولا يستطيع نصر نفسه، ولا نصر غيره، ولا يملك لنفسه ضرًّا ولا رشدًا، فكيف يُعبد من دون الله؟! وهذا يعمّ الملائكة والأنبياء وغيرهم، فغيرهم من باب أولى.

فالواجب على جميع المكلَّفين إخلاص العبادة لله وحده؛ لأنه سبحانه المالك للضر والنَّفع، وهو الذي ينصر مَن يشاء، وهو الذي خلق الجميع، وبيده ضرهم ونفعهم، وحياتهم وموتهم، فهو الخلَّاق العليم سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال لنبيه مخاطبًا له: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106].

فالواجب على جميع المكلَّفين أن يعبدوا الله وحده، وأن يخصُّوه بالعبادة دون كلِّ ما سواه، وألا يتشبَّهوا بأعداء الله الذين عبدوا اللَّات والعُزَّى وأشباهها، نسأل الله العافية.

س: مَن يُشيد القبور والقباب عليها .....؟

ج: هذه من وسائل الشِّرك، بناء القباب والمساجد من وسائل الشرك، فإذا دعاها، أو استغاث بها، أو نذر لها؛ صار شركًا أكبر، وأما بناء المساجد والقباب فهذه من وسائل الشِّرك، والغالب يفعلها الجهال، يظنونها قربةً وطاعةً، لكن يُبين لهم أنَّ هذا من وسائل الشرك؛ لأنه نهى الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن يُبنى على القبور، وأن تُجصص القبور، وقال: لعن اللهُ اليهودَ والنَّصارى؛ اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد، كل هذا من جهلهم وضلالهم.

س: يُوضع بنايات عليها، ويُوضع حرَّاس على القبور؟

ج: كل هذا من الجهل والضَّلال، يجب أن يُبين لهم، ولكن لا يكون مُشركًا إلا إذا دعاها واستغاث بها، أو نذر لها، أما هذه فقد يُبتلى بالجهل، يظن أنَّ هذا قربة وطاعة.

س: هناك في بعض البلاد ينذرون ماءً باردًا على بعض المقبورين، فنمر على هذا الماء فنحتاج أن نشرب منه، فهل يجوز أن نشرب من هذا الماء؟

ج: النَّاذر هو الذي وقع في الشِّرك، أما الماء يشربه مَن يشاء، والطعام يأكله مَن يشاء، لو نذر فاكهةً، أو نذر شرابًا ما في بأس أن يأكله الفقراء ويأخذونه؛ لأنَّ هذا الناذر هو الذي وقع به الشرك والباطل، أما المنذور ما يستحق الميت، صار مالًا ضائعًا.

س: قد يفعلونه يُشجعون الناس على ارتياد القبور والتَّوسل بها، كما يفعل ..... الآن؟

ج: نسأل الله العافية، هذا لا شكَّ أنه من الشرك الأكبر، لكن هذا المال ما يتلف، يُعطاه الفقراء، أو يُؤكل، لا يضيع، مثل هؤلاء جُهَّال، مثل: لو نذر دراهم وحطَّها عند القبر تُؤخذ ويُعطاها الفقراء والمساكين.

س: مَن مرَّ على ضريحٍ فوجد فيه قهوةً يضعها الناس منذورة لصاحب هذا الضريح، وريالات فضة، فأخذها، فهل عليه شيء في هذا؟

ج: ما عليه شيء أبدًا، ما في شيء.