باب: من الشِّرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
قوله: "باب من الشِّرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه".
رفعه: إزالته بعد نزوله.
دفعه: منعه قبل نزوله.
قال: "وقول الله تعالى: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ [الزمر:38]".
قال ابنُ كثير: أي لا تستطيع شيئًا من الأمر: قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ [الزمر:38] أي: الله كافي مَن توكل عليه: عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر:38]، كما قال هود عليه السلام حين قال قومه: إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود:54- 56].
قال مقاتل في معنى الآية: فسألهم النبي ﷺ فسكتوا. أي: لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها.
وإنما كانوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشُفعاء عند الله، لا على أنهم يكشفون الضّر، ويُجيبون دعاء المضطر، فهم يعلمون أنَّ ذلك لله وحده، كما قال تعالى: إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [النحل:53- 54].
قلتُ: فهذه الآية وأمثالها تُبطل تعلق القلب بغير الله في جلب نفعٍ، أو دفع ضرٍّ، وأنَّ ذلك شركٌ بالله.
وفي الآية بيان أنَّ الله تعالى وسم أهل الشِّرك بدعوة غير الله، والرغبة إليه من دون الله. والتوحيد ضد ذلك.
الشيخ: التوحيد هو إخلاص العبادة لله، وأن يتقدم قلبه وقالبه إلى الله: دعوةً، وخضوعًا، وخوفًا، ورجاءً، فتعليق الحلقة والخيط يُغير القلوب ويلفتها إلى غير الله، ظنّ أنَّ هذه الحلقة وأنَّ هذا الخيط ينفعه ويدفع عنه، وهكذا بقية التَّمائم كلها من هذا الباب؛ ولهذا حرَّمها الله؛ لأنها تجعل القلوب تلتفت إليها، وتتعلق بها، كما يتعلق أهلُ الشرك بأوثانهم وأصنامهم.
سدَّ اللهُ الذَّريعة بتحريم تعليق الحلقة أو الخيط وسائر التَّمائم، يجب إخلاص العبادة لله وحده، والدعاء له وحده، والتوكل عليه وحده في دفع الضُّر وجلب النَّفع، والحلق والخيط مثال، وإلا سائر التَّمائم كذلك: رقعة، أو حديدة، أو ورقة فيها كتابات، أو حبل من الحبال، أو غير ذلك من العظم، أو غير ذلك، الحكم واحد؛ ولهذا قال: "ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه" إما رفع البلاء بعد نزوله، أو دفعه قبل نزوله.
أما إذا علَّق الحلقة للزينة، مثل: حُلي النساء، ومثل: الخاتم، لا بأس، أو حبل شدَّ به حاجاته على بعيره، أو أشباهها لا بأس، المقصود الممنوع أن يُعلق خيطًا أو حبلًا أو عظمًا أو غير ذلك يقصد التَّعلق عليه، وأنه يدفع عنه الضُّر، ويجلب النفع، هذه هي التَّميمة التي جاءت الأحاديثُ في النَّهي عنها.
س: ................؟
ج: هذا إذا كان فيه منفعة، من غير اعتقاد الشرك فيه، إذا كانت منفعته أنه ضدّ هذا الألم فيه منفعة، مثل: الحبوب والعجين وسائر الأدوية: ما أنزل اللهُ من داءٍ إلا أنزل له شفاءً، أما إذا اعتقد فيه أنَّ السبب فيه من غير سببٍ معروفٍ فلا يعالج، ما في .....: كالحلقة التي في حديث عمران .....، إنما لسرٍّ فيها، هذه من جنس التَّمائم.
س: ................؟
ج: تحديهم هذا آية، تحديهم هذا من الآيات العظيمة: فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ [هود:55]، ولم يفعلوا شيئًا، ولم يستطيعوا، هذا من الآيات: فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ.
س: ................؟
ج: هذا تشبه بالنِّساء، أما خاتم الفضَّة فلا بأس، أو الحديد، أما سوار بيده، أما الساعة ما هي من السوار، الساعة للحاجة.
والتوحيد ضدّ ذلك؛ وهو ألا يدعو إلا الله، ولا يرغب إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه، وكذا جميع أنواع العبادة لا يصلح منها شيء لغير الله، كما دلَّ على ذلك الكتابُ والسنةُ وإجماعُ سلف الأمة وأئمّتها كما تقدم.
قال: وعن عمران بن حصين: أن النبي ﷺ رأى رجلًا في يده حلقة من صفرٍ، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة. قال: انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنًا؛ فإنك لو متّ وهي عليك ما أفلحتَ أبدًا رواه أحمد بسندٍ لا بأس به.
قال الإمامُ أحمد: حدَّثنا خلف بن الوليد: حدثنا المبارك، عن الحسن قال: أخبرني عمران بن حصين أنَّ النبي ﷺ أبصر على عضد رجلٍ حلقة -قال: أراها من صفرٍ- فقال: ويحك! ما هذه؟ قال: من الواهنة. قال: أما إنها لا تزيدك إلا وهنًا، انبذها عنك؛ فإنَّك لو متّ وهي عليك ما أفلحتَ أبدًا.
رواه ابن حبان في "صحيحه" فقال: فإنك إن متّ وكلتَ إليها، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. وأقرَّه الذَّهبي.
وقال الحاكم: أكثر مشايخنا على أنَّ الحسن سمع من عمران.
وقوله في الإسناد: "أخبرني عمران" يدل على ذلك.
قوله: "عن عمران بن حصين" أي: ابن عبيد بن خلف الخزاعي، أبو نجيد -بنون وجيم- مُصغر، صحابي ابن صحابيٍّ، أسلم عام خيبر، ومات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة.
الشيخ: وأبوه صحابي ، الذي أسلم وسأله النبي: كم تعبد؟ قال: سبعة آلهة، واحد في السَّماء، وستة في الأرض. فقال له النبي ﷺ: مَن كنتَ تعدّ لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السَّماء. فأمره النبي أن يخصَّ عبادته الذي في السَّماء، وقال: أسلم أُعلمك كلمتين ينفعك الله بهما، فأسلم وعلَّمه النبي أن يدعو بهذه الدَّعوة: اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شرِّ نفسي، وأسلم حصين وحسن إسلامه .
س: ................؟
ج: ما أعرف لها أصلًا، ذكرها ابنُ القيم، لكن ما أعرف لها أصلًا، المشروع القراءة، النَّفث، أما الكتابة فذكرها بعضُ أهل العلم، لكن ما أعرف لها أصلًا، السنة القراءة: كونها ينفث عليها ويقرأ ويدعو، هذا المعروف.
س: ................؟
ج: ما أعلم فيه بأسًا؛ لأنَّه ما هو بتميمةٍ، لكن ما أعرف أنَّ أحدًا من السلف فعله، ومن الصحابة، لكن ذكره ابنُ القيم وذكره غيره أنه قد ينفع، وذكر شيخ الإسلام أنه قد ينفع أيضًا. لكن الذي يظهر -مثلما فعل النبي والصحابة- هو القراءة والنَّفث عليه.
س: ................؟
ج: هذا شيء آخر، بحث آخر، المقصود القراءة أولى، كونه يقرأ عليه أو ينفث عليه هذا هو الوارد في النُّصوص.
قوله: "رأى رجلًا" في رواية الحاكم: دخلتُ على رسول الله ﷺ وفي عضدي حلقة صفرٍ، فقال: ما هذه؟ الحديث.
فالمبهم في رواية أحمد هو عمران راوي الحديث.
قوله: ما هذه؟ يحتمل أنَّ الاستفهام للاستفسار عن سبب لبسها، ويحتمل أن يكون للإنكار، وهو أظهر.
قوله: "من الواهنة" قال أبو السَّعادات: الواهنة: عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها، فيُرقى منها.
وقيل: هو مرض يأخذ في العضد، وهي تأخذ الرجال دون النساء، وإنما نهى عنها لأنه إنما اتَّخذها على أنها تعصمه من الألم، وفيه اعتبار المقاصد.
قوله: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا النزع هو الجذب بقوةٍ، أخبر أنها لا تنفعه، بل تضرّه وتزيده ضعفًا.
وكذلك كل أمرٍ نهى عنه فإنه لا ينفع غالبًا، وإن نفع بعضه فضرّه أكبر من نفعه.
قوله: فإنك لو متّ وهي عليك ما أفلحتَ أبدًا لأنه شرك، والفلاح هو الفوز والظّفر والسَّعادة.
الشيخ: وهذا من باب الوعيد، وهو من باب الشِّرك الأصغر، ومن باب الوعيد والتحذير، ذكر النار وعدم الفلاح من باب الوعيد، ولا يلزم من ذلك الكفر الأكبر، ولا الخلود في النار، كما جاء في أمثال هذا في بعض المعاصي من باب الوعيد والتَّحذير، نعم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: "فيه شاهد لكلام الصحابة: أنَّ الشِّرك الأصغر أكبر الكبائر، وأنه لم يُعذر بالجهالة، وفيه الإنكار بالتَّغليظ على مَن فعل مثل ذلك".
قوله: "رواه أحمد بسندٍ لا بأس به" هو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبدالله بن حيان بن عبدالله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، الإمام العالم، أبو عبدالله الذّهلي، ثم الشّيباني، المروزي، ثم البغدادي، إمام أهل عصره، وأعلمهم بالفقه والحديث، وأشدهم ورعًا ومتابعةً للسنة، وهو الذي يقول فيه بعضُ أهل السنة: عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، أتته الدنيا فأباها، والشّبه فنفاها.
خرج به من مرو وهو حمل، فوُلد ببغداد سنة أربعٍ وستين ومئة في شهر ربيع الأول، وطلب أحمد العلم سنة وفاة مالك، وهي سنة تسعٍ وسبعين، فسمع من: هشيم وجرير بن عبدالحميد وسفيان بن عيينة ومعتمر بن سليمان ويحيى بن سعيد القطان ومحمد بن إدريس الشافعي ويزيد بن هارون وعبدالرزاق وعبدالرحمن بن مهدي، وخلائق بمكة والبصرة والكوفة وبغداد واليمن وغيرها من البلاد.
روى عنه: ابناه صالح وعبدالله، والبخاري ومسلم وأبو داود وإبراهيم الحربي وأبو زرعة الرازي الدمشقي وعبدالله ابن أبي الدنيا وأبو بكر الأثرم وعثمان بن سعيد الدارمي وأبو القاسم البغوي -وهو آخر مَن حدَّث عنه- وخلائق.
وروى عنه من شيوخه: عبدالرحمن بن مهدي والأسود بن عامر، ومن أقرانه: علي بن المديني ويحيى بن معين.
قال البخاري: مرض أحمد لليلتين خلتا من ربيع الأول، ومات يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت منه.
وقال حنبل: مات يوم الجمعة في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومئتين، وله سبع وسبعون سنة.
وقال ابنه عبدالله والفضل بن زياد: مات في ثاني عشر ربيع الآخر رحمه الله تعالى.
الشيخ: رحمه الله وسائر علماء المسلمين، وأكرم مثواه هو وغيره من الأئمة، لهم فضلهم وعلمهم، ولكن لا يجوز تقليدهم، ولا التَّعصب لهم، بل يجب التَّمسك بالكتاب والسنة، فالإمام أحمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وغيرهم، ومن فوقهم من التابعين، ومَن فوقهم من الصحابة يجب حبّهم في الله، والترضي عنهم، والترحم عليهم، والاستفادة من علومهم، لكن لا يجوز لطالب العلم أن يتعصب لأحدٍ، وأن يظنّ أنَّ ما قاله هو الحقّ دائمًا، لا، كل واحدٍ يُؤخذ من قوله ويُترك إلا ما دلَّ عليه الدليل، ما قامت عليه الحُجَّة، هذا هو شأن أهل العلم، مع محبَّتهم لأهل العلم، وترضيهم عنهم، لكن يحكمون كتابَ الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، كما قال الله : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، وقال جلَّ وعلا: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].
فجميع الأئمة وجميع العلماء كل واحدٍ منهم يُخطئ ويُصيب، والصواب ما وافق الحقَّ، ما وافق الأدلة الشَّرعية، والخطأ ما خالفها.
فالواجب على أهل العلم هو العناية بالأدلة، والحرص على الأدلة، وعرض ما اختلف فيه الناس عليها، أما ما أجمعوا عليه فالحمد لله، الإجماع حُجَّة قائمة.
نسأل الله للجميع التوفيق.
وله عن عقبة بن عامر مرفوعًا: مَن تعلَّق تميمةً فلا أتمَّ اللهُ له، ومَن تعلَّق ودعةً فلا ودع الله له.
وفي روايةٍ: مَن تعلَّق تميمةً فقد أشرك.
الحديث الأول رواه الإمام أحمد كما قال المصنف، ورواه أيضًا أبو يعلى والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. وأقرَّه الذهبي.
قوله: "وفي روايةٍ" أي: من حديثٍ آخر رواه أحمد، فقال: حدَّثنا عبدالصمد بن عبدالوارث: حدَّثنا عبدالعزيز بن مسلم: حدَّثنا يزيد ابن أبي منصور، عن دخين الحجري.
الطالب: عندنا دجين؟
الشيخ: أيش قال الشَّارح عليه؟ انظر "التقريب".
عن عقبة بن عامر الجهني : أن رسول الله ﷺ أقبل إليه رهطٌ، فبايع تسعةً، وأمسك عن واحدٍ، فقالوا: يا رسول الله، بايعتَ تسعةً وأمسكتَ عن هذا؟! فقال: إنَّ عليه تميمةً، فأدخل يده فقطعها، فبايعه وقال: مَن تعلَّق تميمةً فقد أشرك، رواه الحاكمُ بنحوه، ورواته ثقات.
قوله: "عن عقبة بن عامر" صحابي مشهور، فقيه فاضل، ولي إمرة مصر لمعاوية ثلاث سنين، ومات قريبًا من السِّتين.
قوله: مَن تعلَّق تميمةً أي: علَّقها مُتعلِّقًا بها قلبه في طلب خيرٍ، أو دفع شرٍّ.
قال المنذري: "خرزة كانوا يُعلِّقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات، وهذا جهلٌ وضلالةٌ؛ إذ لا مانعَ ولا دافعَ غير الله تعالى".
الطالب: دخين -بالمعجمة- مُصغر، ابن عامر الحجري -بفتح المهملة وسكون الجيم- أبو ليلى المصري، ثقة، من الثالثة، مات سنة مئة. (عخ، د، س، ق).
الشيخ: دخين، عندك دخين؟
الطالب: عندي دخين.
الشيخ: وأنت أيش عندك؟
الطالب: دجين.
الشيخ: صلحها بالخاء.
وقال أبو السَّعادات: "التَّمائم جمع تميمةٍ، وهي خرزات كانت العربُ تُعلِّقها على أولادهم يتَّقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام".
قوله: "فلا أتمَّ اللهُ له" دعاء عليه.
الشيخ: تعلّق ضد العين .....؛ لأنَّ الناس فيها ظنون، تُعلق على الأولاد، وبعضهم يُعلِّقها على المرضى، فهي كلها ممنوعة، يجب قطعها؛ لأنها وسيلة إلى تعلق القلوب بغير الله؛ فلهذا منع تعليقها، يُقال لها: تميمة، وتُعلق أوتار القيس من المصران والعصب ونحو ذلك، يُعلِّقونها أيضًا، وقد تكون من عظامٍ، وقد تكون من خرزاتٍ، وقد تكون من قراءة دعواتٍ، وغيرها.
والصواب أنه حتى القراءة، حتى من القرآن كما يأتي إن شاء الله، الصواب سدّ الذَّريعة، تُمنع التَّمائم مطلقًا.
س: ................؟
ج: ..... تختلف إن كان ما هو لهذا القصد، هذا مثلما تلبس المرأة، والأسورة إذا كانت للزينة ما فيها شيء، لكن التمائم غيرها.
قوله: ومَن تعلَّق ودعةً بفتح الواو وسكون المهملة.
قال في "مسند الفردوس": "شيء يخرج من البحر يُشبه الصّدف يتَّقون به العين".
قوله: فلا ودعَ اللهُ له بتخفيف الدال، أي: لا جعله في دعةٍ وسكونٍ.
قال أبو السَّعادات: وهذا دعاء عليه.
قوله: "وفي روايةٍ: مَن تعلَّق تميمةً فقد أشرك".
قال أبو السَّعادات: إنما جعلها شركًا؛ لأنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم، وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه.
الشيخ: وهذا تنفيرٌ منها، وتحذيرٌ منها؛ لأنها تجعل القلوبَ تتعلق على غير الله، وتُعرض عن الله، أو دفع الأشياء الأخرى، فمن رحمة الله سدّ الذَّريعة، نهاهم ﷺ عن ذلك حتى تجتمع القلوبُ على الثِّقة بالله، والاعتماد على الله، وسؤاله من فضله، وتعاطي الأسباب الشَّرعية التي أذن فيها: من الأدوية الشَّرعية، والرقية الشَّرعية، أما الأسباب المنهي عنها -كالتَّمائم والأوتار- فهذه هي التي تمنع، نعم.
س: ................؟
ج: هذا من جنس التَّميمة، ما يصلح، هذا من جنس التَّمائم.
قال المصنف رحمه الله: "ولابن أبي حاتم عن حُذيفة أنه رأى رجلًا في يده خيط من الحمى فقطعه، وتلا قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106]".
قال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا محمد بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب: حدَّثنا يونس بن محمد: حدَّثنا حماد بن سلمة، عن عاصم الأحول، عن عروة قال: دخل حُذيفةُ على مريضٍ، فرأى في عضده سيرًا فقطعه أو انتزعه، ثم قال: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ".
وابن أبي حاتم هو الإمام أبو محمد عبدالرحمن ابن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، التَّميمي، الحنظلي، الحافظ، صاحب "الجرح والتعديل" و"التفسير" وغيرهما، مات سنة سبعٍ وعشرين وثلاثمئة.
وحُذيفة هو: ابن اليمان.
واسم اليمان: حسيل -بمهملتين مُصغَّرًا- ويُقال: حسل -بكسر ثم سكون- العبسي -بالموحدة- حليف الأنصار، صحابي جليل من السَّابقين، ويُقال له: صاحب السر. وأبوه أيضًا صحابي، مات حُذيفة في أول خلافة عليٍّ سنة ستٍّ وثلاثين.
قوله: "رأى رجلًا في يده خيط من الحمى" أي: عن الحمى. وكان الجهَّال يُعلِّقون التَّمائم والخيوط ونحوهما لدفع الحمى.
وروى وكيع عن حُذيفة: أنه دخل على مريضٍ يعوده، فلمس عضده، فإذا فيه خيط، فقال: ما هذا؟ قال: شيء رُقي لي فيه، فقطعه وقال: لو متَّ وهو عليك ما صليتُ عليك.
وفيه إنكار مثل هذا، وإن كان يعتقد أنه سببٌ، فالأسباب لا يجوز منها إلا ما أباحه الله تعالى ورسوله، مع عدم الاعتماد عليها.
الشيخ: يعني أسباب ما شرع الله فلا بأس، لكن مع الاعتماد على الله، يعتقد أنها سببٌ ويعتمد على الله، مثل: الدواء، مثل: الكي، مثل: الأكل والشرب وأشباه ذلك؛ لأنَّ الله شرع له هذا، وجعله من أسباب العافية، أما الأسباب التي لم يشرعها كالتَّمائم والخيوط التي يعتقد فيها، هذه يُنهى عنها، كما نهى النبيُّ عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّ الله ما جعلها أسبابًا، وإنما يتعلق بها العبدُ لسوء ظنٍّ بالله، ويعتقد أنَّ هذه الأشياء تمنع بزعمه، أو تكون سببًا للمنع.
الحاصل أنَّ هذه الأسباب التي نهى عنها الشارعُ يجب تركها، أما الأسباب التي أذن فيها وأباحها: كالأكل والشرب والكي والرقية والأدوية المباحة، فلا بأس بذلك.
س: .................؟
ج: نعم سنة.
س: مَن تعلَّقها جاهلًا أو مُقلِّدًا؟
ج: الجاهل يُعلم.
س: يُقال: هذا من الشِّرك الأصغر؟
ج: من الشرك الأصغر، نعم.
س: قول حُذيفة: "لو متَّ وهي عليك ما صليتُ عليك"؟
ج: من باب الوعيد، من باب التَّحذير، من باب التَّشديد.
الشيخ: وهذا وإن لم يأذن إذا أمنت الفتنة، مثل: حذيفة وأشباهه من الصحابة الذين يخضع لهم الناس ويسمعون لهم ويُطيعون، أما إذا كانت إزالته بالقوة بحيث يترتب عليه فتنة لا، يرفع الأمر إلى الجهة المختصة: كالهيئة، كالمحكمة، كالإمارة؛ حتى لا تقع المشاكل.
قوله: "وتلا قوله: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106]".
استدلَّ حذيفةُ بالآية على أنَّ هذا شركٌ، ففيه صحَّة الاستدلال على الشرك الأصغر بما أنزله الله في الشرك الأكبر؛ لشمول الآية له، ودخوله في مُسمَّى: الشرك، وتقدم معنى هذه الآية عن ابن عباسٍ والله أعلم.
وفي هذه الآثار عن الصحابة ما يُبين كمال علمهم بالتوحيد وما يُنافيه أو يُنافي كماله.
الشيخ: والصحابة هم أعلم الناس ، تلقوا علمهم عن نبيهم ﷺ، هم أعلم الناس، وهم أفضل الناس؛ ولهذا علَّموا غيرهم، وأرشدوا غيرهم، ووجَّهوا غيرهم إلى الخير، فكانوا رضي الله عنهم أئمةً في الهدى، وهكذا ينبغي لأهل العلم أن يتأسّوا بهم: بالتعليم، والتوجيه، والإرشاد، والدعوة، وعدم الغفلة، والله المستعان.