واجبات الحج

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيلهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة حجاج بيت الله الحرام، كلامي معكم اليوم فيما يتعلق بواجبات الحج، الحج له واجبات يجب على الحاج أن يعنى بها وأن يستوفيها، وأن يحرص في ذلك، يرجو ثواب الله ويخشى عقاب الله ، وعلى أهل العلم أن يبينوا ويوضحوا، هذا هو الواجب على هؤلاء والواجب على هؤلاء، على طلبة العلم أن يوضحوا أحكام الله لعباده، وعلى المسلم أن يتعلم ما أوجب الله عليه ولاسيما حجاج بيت الله الحرام، عليهم أن يتعلموا مناسكهم حتى يؤدوها على بصيرة.

الحج له واجبات سبعة:

أولها: الإحرام من الميقات، يحرم من الميقات الذي يمر عليه، فإذا لم يحرم منه تجاوزه وأحرم دونه وجب عليه دم يذبحه في مكة جبرا لحجه، لأن الله جل وعلا أوجب على العباد أن يحرموا من الميقات وبينه لهم رسوله عليه الصلاة والسلام، فأوضح المواقيت للحجاج والعمار، وأمرهم أن يحرموا منها، فإذا جاوزها الحاج أو المعتمر ولم يحرم منها فقد ترك واجبا ويجبره بدم لقول ابن عباس رضي الله عنهما: من ترك نسكا أو نسيه فليرق دما، وهذا في حكم المرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ولا شك أن الإحرام من الميقات نسك، فمن تركه ولو جاهلا أو ناسيا وجب عليه دم لهذا الحديث إلا أن يرجع إليه قبل أن يحرم، إذا نبه ورجع وأحرم من الميقات فلا شيء عليه.

والواجب الثاني: المبيت بمزدلفة ليلة النحر، إذا انصرف من عرفات يبيت في مزدلفة غالب الليل، هذا واجب وليس له أن يدع المبيت في مزدلفة لأن الرسول أمر بذلك عليه الصلاة والسلام وفعله، وقال: خذوا عني مناسككم.

الواجب الثالث: الوقوف بعرفة إلى الغروب، لا ينصرف قبل الغروب، فلو انصرف قبل الغروب ولم يرجع في الليل يكون عليه دم لأنه ترك ما وجب عليه، فإن رجع حتى غابت الشمس أو رجع بعد الغروب سقط عنه ذلك الدم.

الواجب الرابع: المبيت في منى ليلة إحدى عشرة وليلة ثنتي عشرة، إذا استطاع ووجد مكانا وجب عليه يبيت في منى لأن الرسول بات بها عليه الصلاة والسلام، وقال: خذوا عني مناسككم فعليه أن يلتمس مكانا ويجتهد، فإذا وجده وجب عليه المبيت في منى إلا أن يكون ذا عذر كالمريض الذي لا يستطيع البقاء في منى، قد يحتاج للذهاب إلى مستشفيات خارج منى، وكالسقاة سقاة الحجيج، فإن الرسول ﷺ رخص لهم عليه الصلاة والسلام، فإن لم يجد مكانا في منى بعد الاجتهاد والحرص والسؤال ... فلا حرج عليه يسقط عنه لقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ولقول النبي ﷺ: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، فمثلًا تجد من كان ... بعد الاجتهاد والحرص فإنه ينزل أين شاء، لكن إذا نزل في مكان قريب من منى يكون أولى حتى يتسنى له بسهولة رمي الجمار، نزل في المحسر أو في مزدلفة أو قريب من جمرة العقبة كل ذلك لا بأس به عند العجز عن وجود مكان في منى.

وأما النزول في منى يوم الثامن والليلة التاسعة فهذا مستحب وليس بواجب عند أهل العلم.

الواجب الخامس: رمي الجمار، لا بدّ أن يرمي الجمار يوم العيد جمرة واحدة، جمرة العقبة يرميها الضعفة في نصف الليل ليلة النحر في النصف الأخير من ليلة النحر، وأما الأقوياء فالسنة لهم أن يرموها نهارا ضحى كما رماها النبي ﷺ، فإنه رماها ضحى عليه الصلاة والسلام، وقال: خذوا عني مناسككم. فإذا انصرف الناس من مزدلفة وأتوا منى شرع لهم رمي الجمرة، ولا بأس أن يزدلف الضعفاء مع الشيوخ والعجائز والنساء والصبيان في آخر الليل ليلة النحر لأن المصطفى ﷺ رخص لهم لضعفهم ... المزاحمة فلا بأس أن ينصرفوا في آخر الليل من مزدلفة، ولا بأس أن يرموا الجمرة آخر الليل كما رمت أم سلمة رضي الله عنها في آخر الليل، وكما جاء ذلك عن أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة رضي الله عن الجميع.

أما حديث: لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس فهو حديث ضعيف الإسناد وفيه انقطاع، ولو صح لكان معناه الأفضل، لكان معناه أن هذا هو الأفضل والأكمل، وإلا فيجوز للضعفة أن يرموا في آخر الليل، ويجوز على الصحيح حتى للأقوياء أن يرموا آخر الليل بسبب المشقة والزحام الكثير فهو في حكم الضعفاء بسبب الزحام، لكن إذا أخروا إلى الضحى يكون أفضل، ويوم العيد كله رمي إلى غروب الشمس، كله رمي، من رمى أول النهار أو آخره فلا بأس، فإن غابت الشمس ولم يرم جمرة العقبة فهو بين أمرين: إما أن يرميها بعد الغروب وهذا جائز على الصحيح إلى آخر الليل، وإما أن يؤخرها حتى يرميها بعد الزوال في اليوم الحادي عشر قبل رمي يوم الحادي عشر كما قاله كثير من أهل العلم.

واختلف العلماء في الرمي ليلا على قولين: أصحهما أنه لا بأس أن يرمي ليلا إذا غابت الشمس يوم العيد ولم يرم يرميها ليلا إلى آخر الليل، ولكن إذا أجلها ورماها بعد الزوال يوم الحادي عشر خروجا من الخلاف فحسن، يرميها أولا عن يوم العيد ثم يرمي الجمرات يوم الحادي عشر كلها بعد الزوال، يبدأ بالأولى التي تلي مسجد الخيف، ثم يرمي الوسطى، ثم يرمي جمرة العقبة في اليوم الحادي عشر، ولا يرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر، بل لابد يكون الرمي بعد الزوال لأن النبي ﷺ رمى بعد الزوال في هذه الأيام الثلاث، وقال: خذوا عني مناسككم فلا يجوز لأحد أن يرمي قبل الزوال في هذه الأيام الثلاثة.

أما في يوم العيد فلا بأس إن شاء رمى قبل الزوال فهو أفضل الضحى، وإن رمى بعد الزوال يوم العيد فلا بأس، ويرمي بعد الغروب إذا فاته الرمي بعد ... النهار فلا حرج على الصحيح، وإن أخر ذلك حتى يرميها بعد الزوال كما تقدم يوم الحادي عشر يرميها يوم العيد فلا بأس أيضًا، والسنة في رمي الجمار أن يرتبها: يبدأ بالأولى التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة التي رماها يوم العيد الأخيرة، يكبر مع كل حصاة في الجمار الثلاث، ويدعو بعد رمي الجمرة الأولى والثانية، يقف ويدعو يستقبل القبلة ويطيل الدعاء ويرفع يديه، ويجعل منى عن يساره عند الدعاء ويستقبل القبلة ويرفع يديه، والثانية يجعلها عن يمينه ويأخذ ذات الشمال ويرفع يديه ويدعوه ويطيل في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، وهكذا في الثالث عشر إذا لم يتعجل. 

والمقصود أن هذا الرمي كله واجب تسعة وأربعون حصاة واجبة، سبع يوم العيد، واثنتان وأربعون حصاة في يوم الحادي عشر والثاني عشر، وإن لم يتعجل رمى إحدى وعشرين حصاة في يوم الثالث عشر، فإن ترك الرمي أو ترك جمرة من الجمار فعليه دم، إذا خرج الوقت ولم يرم فعليه دم عن ترك هذا الواجب لما تقدم من حديث ابن عباس أو قوله : من ترك نسكا أو نسيه فليهرق دما، ولا شك أن الرمي نسك، إذا ترك الرمي كله أو جمرة من الجمرات وجب عليه دم لهذا الحديث، وهو مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يقضى، متى فاتت أيام منى فات الرمي لا يقضى ويستقر الدم.

والواجب السادس: الحلق أو التقصير، السنة للحاج إذا رمى جمرة العقبة أن ينحر هديه إن كان عنده هدي، هذا هو الأفضل لأن النبي ﷺ رمى ثم نحر عليه الصلاة والسلام ثم حلق، هذا هو الأفضل أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق ثم يطوف على هذا الترتيب، يرمي أولا ثم ينحر الهدي ثم الحلق أو التقصير ثم الطواف والسعي، هذا هو السنة. 

فإذا رمى وحلق لبس ثيابه إن شاء وتطيب ثم يطوف بعد ذلك بالثياب العادية، وإن قدم بعضها على بعض فلا حرج، لو نحر قبل أن يرمي أو حلق قبل أن يذبح أو طاف قبل أن يذبح أو طاف قبل أن يرمي فلا حرج في ذلك والحمد لله، لأنه ﷺ سئل عن التقديم والتأخير قال للسائل: افعل ولا حرج، افعل ولا حرج، وهكذا على الصحيح لو سعى قبل أن يطوف فلا حرج أيضا لأن المصطفى ﷺ سئل عمن سعى قبل أن يطوف قال: لا حرج عليه الصلاة والسلام، لكن الأفضل السنة أن يطوف أولا ثم يسعى إذا كان عليه سعي كالمتمتع وكالقارن والمفرد الذي لم يسع مع طواف القدوم فإنه يسعى مع طواف الإفاضة، هذا هو السنة أن يطوف ثم يسعى يوم العيد أو بعده، وليس له حد محدود، ولو لم يطف إلا بعد أيام العيد فلا بأس.

والخلاصة: أنه يوم العيد يرمي ثم ينحر ثم يحلق ثم يطوف ويسعى إن كان عليه سعي، هذا هو الترتيب الأفضل الذي فعله النبي ﷺ، لكن لو قدم بعضها على بعض فلا حرج في ذلك.

والحلق والتقصير نسك واجب فلا بد منه، فإذا رمى ونحر شرع له الحلق أو التقصير، والحلق أفضل لأن الرسول ﷺ دعا للمحلقين بالمغفرة والرحمة ثلاثا وللمقصرين واحدة، فدل على أن الحلق أفضل، ولأن الله بدأ به في قوله سبحانه: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح:27]، ولأن الرسول ﷺ حلق يوم العيد في حجة الوداع ولم يقصر، فدل على أن الحلق أفضل.

السابع: طواف الوداع، إذا فرغ من أعمال الحج كلها فإنه يطوف للوداع قبل أن يسافر لقول النبي ﷺ: لا ينفر أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت رواه مسلم في الصحيح، ولما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أُمِر الناسُ أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض فالحاج إذا فرغ من الرمي ومن كل شيء فإنه يطوف سبعة أشواط بالبيت، ما في سعي طواف فقط.

أما ... في بلده سواء كان من أهل الطائف أو جدة او المدينة أو ما هو أبعد من ذلك لا، لا ينفر حتى يطوف الوداع بعد إنهائه جميع أعماله حتى لا يبقى عليه إلا السفر، فعند هذا يطوف بالبيت سبعة أشواط كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام فإنه ﷺ في ليلة أربعة عشر دخل آخر الليل وطاف الوداع وصلى بالناس الفجر وقرأ فيها بسورة الطور، فلما فرغ من صلاته رحل إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على أنه لابد من وداع لفعله وقوله عليه الصلاة والسلام. 

لكن الحائض والنفساء لا وداع عليهما إذا صادفها الحيض أو النفاس عند خروجها من مكة فلا وداع عليهما، أما المريض فيطاف به، إذا كان يعجز يطاف به محمولا أو في العربانة عند خروجه لطواف الوداع، ولو أخر الحاج طواف الإفاضة وطاف عند خروجه أجزأ عن طواف الوداع وسقط هذا الواجب الذي هو السابع، لو أن الحاج أخر طواف الزيارة في طوف الحج ولم يطف يوم العيد ولا بعده حتى أجمع على السفر وطاف عند خروجه طواف الحج أجزأه عن طواف الوداع والحمد لله، لأنه يصدق عليه أنه جعل آخر أمره الطواف بالبيت فأجزأه ذلك والحمد لله.

وأسأل الله أن يوفق المسلمين جميعا لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم، وأن يوفق جميع حكام المسلمين لما فيه رضاه، وأن يعينهم على تحكيم شريعته والتحاكم إليها، وأن يمن على الجميع بالثبات على دينه والاستقامة عليه، وأن يوفق حجاج بيت الله الحرام لأداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه، وأن يردهم إلى بلادهم سالمين غانمين موفقين، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.