أيام التشريق وما يستحب العمل فيهن

هذا اليوم هو يوم الثالث عشر، وهذا اليوم هو آخر أيام التَّشريق الثلاثة التي قال فيها سبحانه: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [البقرة:203]، واليوم الثاني عشر هو يوم النَّفر الأول، وهذا اليوم الثالث عشر - يوم الجمعة الآن - هو يوم النَّفر الثاني، وبأعماله تنتهي أعمال الحجِّ المؤقتة: وهي الرمي، مُؤقت بهذه الأيام، فإذا غابت الشمسُ هذا اليوم انتهى الرمي، وانتهى الذبح - ذبح الضَّحايا والهدايا المتطوع بها - أما الهدي الواجب فيبقى، لو ما ذبحه في هذه الأيام يلزمه ذبحه بعد ذلك، ويأثم بالتأخير، أما التطوع: الضحية أو هدي التطوع بغروب الشمس اليوم ينتهي وقته، وينتهي أيضًا الذكر الخاص والتكبير الخاص بغروب الشمس؛ لأنه بغروب الشمس تنتهي الأيام المعدودات.

والواجب على كل مؤمنٍ أن يتَّقي الله في كل مكانٍ، وفي كل زمانٍ؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا أوجب عليه التقوى أينما كان، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70- 71]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18]، المعنى: في كل يومٍ، في كل زمانٍ، في كل مكانٍ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ۝ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1- 2]، يوم عظيم شديد الأهوال يوم القيامة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ هذا اليوم يوم القيامة فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33]، حذَّرنا أن نغترَّ بالدنيا وزينتها وشهواتها، أو بالغرور الذي هو الشيطان الذي غرَّ آدم، وغرَّ غيره، غرَّ أكثر الخلق.

فالواجب الحذر، لك في الأكثرين أسوة؛ أن تحذر ما دام الأكثرون قد اغتروا فاحذر أن يُصيبك ما أصابهم، ويوم القيامة شديد الأهوال: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۝ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ صاحبته: زوجته لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34- 37]، هذا اليوم العظيم، فلا يُنجي منه برحمة الله إلا الإعداد؛ إعداد العمل الصالح، هذا هو السبب، والمعول على رحمة الله وعفوه سبحانه وتعالى.

والرسول ﷺ أمر الأمة بالعمل وقال: واعلموا أنه لن يدخل الجنةَ أحدٌ منكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني الله برحمةٍ منه وفضل.

فأنت عليك بالعمل، والجدّ في العمل الصالح والاستقامة، وسؤال الله العفو والمغفرة والقبول وحُسن الظن بالله، فالعمل سبب الأعمال الطيبة أسباب الرحمة، والمعول على رحمته جلَّ وعلا وجوده وكرمه وفضله سبحانه وتعالى، فالباء في قوله: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32] باء السبيبة، وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72] باء السببية، أعمالك أسباب دخول الجنة، أما الباء في قوله ﷺ: واعلموا أنه لن يدخل الجنةَ أحدٌ منكم بعمله هذه باء العوض، يعني: ما هي معاوضة، إنما هو فضل الله وجوده وكرمه، تفضَّل عليك وجعل أعمالك سببًا لدخول الجنة.

ثم أنتم قافلون إلى أوطانكم بعد هذا العمل العظيم، وهذا النسك العظيم، فالجدير بكل واحدٍ أن يلزم الحقَّ، وأن يلزم التوبة التي صدرت منه في هذه المواقف الشريفة، وأن يستقيم على الحقِّ، وألا يرجع إلى أعماله الرديئة، ليحمد الله على ما مَنَّ به عليه من تكميل الحجِّ وأداء المناسك والوصول إلى هذه البقاع الشريفة، ليحمد الله على هذا، وليسأله القبول والمغفرة، وليسأله الثبات على الحقِّ، ليسأل ربَّه الثبات على الحقِّ، وليحذر أن يرجع إلى شيءٍ من حاله السيئة السابقة، ليحذر أن يرجع إلى شيءٍ من أعماله التي تُغضب الله عليه، وليسأل ربَّه الثبات، وليستمر على الحقِّ حتى الموت.

ثم ينبغي أن نعلم أنَّ هذا اليوم هو آخر أيام الحج كما تقدم بعد الزوال، الذين لم يتعجَّلوا يرمون بعد الزوال، ما في رمي قبل الزوال، ومَن قال بجوازه - بعض الفقهاء جوَّزه قبل الزوال - ضعيف، الصواب الذي عليه الجمهور أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال، لا في هذا اليوم، ولا في الأمس، كل الأيام الثلاثة لا يجوز فيها الرمي، بل يجب الرمي بعد الزوال في الجميع، ومنها هذا اليوم، وبغروب الشمس ينتهي الرمي، وينتهي ذبح الهدايا المتطوَّع بها، والضَّحايا ينتهي ذبحها، وينتهي الذكر المطلق والمقيد المخصوص بهذه الأيام، ويبقى ذكر الله العام الذي أنت مأمور به دائمًا في قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]، هذا الذكر العام في جميع الأوقات.

ونسأل الله أن يُوفق الجميع لما يُرضيه، وأن يتقبل منا ومنكم، وأن يُعيدنا وإياكم إلى أوطاننا سالمين غانمين مُوفَّقين، كما نسأله سبحانه أن ينصر دينه، ويُعلي كلمته، وأن يُصلح أحوال المسلمين، نسأل الله أن يُصلح أحوال المسلمين في كل مكانٍ، نسأل الله أن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يُولي عليهم خيارهم، وأن يُصلح قادتهم، كما نسأله سبحانه أن يُوفق ولاة أمرنا في هذه المملكة، نسأل الله أن يُوفقهم لكل خيرٍ، وأن يُعينهم على كل خيرٍ، وأن ينصر بهم الحقَّ، وأن يُصلح لهم البطانة، وأن يُكثر أعوانهم في الخير، وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ.