بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المستمعون الكرام حديثي معكم اليوم في وجوب التربية الإسلامية، التربية الإسلامية من أهم المهمات ومن أوجب الواجبات، على كل مسلم أن يربي نفسه تربية إسلامية نقية، وأن يجتهد في تربية أهل بيته من أولاد وإخوة وغير ذلك؛ لأن ذلك هو الطريق والسبيل إلى نجاة الجميع من النار، وإلى صلاح المجتمع في هذه الدنيا، فوجب على الجميع التعاون على هذا الأمر والتواصي به حتى يستقيم الجميع على الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة والأعمال الكريمة، وحتى يستحقوا بذلك فضل الرب جل وعلا وكرامته في هذه الدنيا، والفوز بالجنة والسعادة في الآخرة.
وقد ورد في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة ما يدل على وجوب هذا الأمر، قال الله في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] في هذه الآية العظيمة أمر الجميع، أمر المؤمنين جميعا بأن يقوا أنفسهم وأهليهم عذاب الله، وما ذاك إلا بالاستقامة على أمر الله والتواصي بحق الله والابتعاد عن محارم الله.
وهذه هي التربية الإسلامية النقية التي بها السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، ولهذا قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ خاطب أهل الإيمان لأنهم أهل الامتثال على الكمال بخلاف غيرهم، فإن امتثالهم قد يحصل وقد لا يحصل، وقد يكون ضعيفا، أما أهل الإيمان، أهل التصديق، أهل البصيرة فإن امتثالهم لأمر الله أكمل وطاعتهم له أتم، ولهذا قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6] وإلا فمعلوم أن الله سبحانه خلق الجميع لعبادته وأمرهم باتباع رسله.
فالواجب على جميع الناس من عرب وعجم، ومن جن وإنس الواجب على الجميع أن يتقوا الله، وأن يقوا أنفسهم وأهليهم عذاب الله، هذا واجب على الجميع كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] فعلى الجميع أن يعبدوا الله ويتقوه سبحانه، وذاك بتوحيده سبحانه والإخلاص له في العبادة، واتباع الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بعدما بعثه الله ، كما أن على جميع أمم الأنبياء قبل محمد عليه الصلاة والسلام أن يطيعوا الرسل وأن يتبعوهم فيما جاءوا به.
فعلى أمة كل نبي أن تتبع نبيها وأن تستقيم على ما جاء به من الشريعة، وبهذا تحصل لها النجاة والسعادة، وعلى أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن يستقيموا على ما جاء به من الهدى، وأن يتواصوا بذلك وأن يقوا أنفسهم وأهليهم عذاب الله باتباعهم رسول الله عليه الصلاة والسلام واستقامتهم على ما جاء به من الهدى، وهذا واجب على الجميع، ولهذا يقول سبحانه وتعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
ويقول سبحانه: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] فبين جل وعلا أن التعاون على البر والتقوى أمر مطلوب من الجميع، وذلك هو التعاون على أداء فرائض الله وترك محارم الله، هذا هو البر والتقوى، البر أداء فرائض الله والاجتهاد فيما يرضي الله، والتقوى ترك محارم الله والحذر منها عن خوف من الله، وعن محبة لله، وعن طلب لثواب الله، وعن حذر من عقابه ، وهكذا قوله سبحانه: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]
فهذه السورة العظيمة مع قصرها قد اشتملت على بيان أسباب الربح والخسران، فالرابحون هم الذين استقاموا على هذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر عليه، هؤلاء هم الرابحون وهم السعداء، وهم الذين أخذوا أنفسهم بالتربية الإسلامية، جاهدوها لله وصبروا على طاعة الله، وكفوا أنفسهم عن محارم الله، وجاهدوا من تحت أيديهم لله حتى استقام الجميع على ما يرضي الله، وعلى ترك محارم الله سبحانه وتعالى، ومن عاداهم فهو الخاسر، من عادى هؤلاء فهو الخاسر، فمن لم يستقم على الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر عليه هو الخاسر، ومن فاته شيء من هذه الصفات أو نقص من ذلك شيء ناله من الخسران بقدر ما فاته من هذه الصفات الأربع.
وقد ورد في القرآن الكريم في هذا المعنى آيات أخرى منها قوله : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132]، ومنها قوله سبحانه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [مريم:54، 55] فإسماعيل نبي الله عليه الصلاة والسلام كان يأخذ أهله بأمر الله ويوصيهم بتقوى الله ويأمرهم بما يرضي الله.
وهكذا بقية الأنبياء جميعا كلهم يدعون الناس إلى طاعة الله وينذرونهم معاصي الله ويأخذون أهليهم بذلك، كما قال جل وعلا في حق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، وقد ناداهم عليه الصلاة والسلام في بعض أيامه بمكة، ناداهم جميعا وطلبهم جميعا فلما حضروا أنذرهم وحذرهم عليه الصلاة والسلام فقال: يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبدالمطلب عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا فهذا منه عليه الصلاة والسلام إنذار للأهل والعشيرة، وتحذير لهم من عقاب الله، ووصية لهم بطاعة الله وتوحيده والإخلاص له والاستقامة على شريعته لأن بذلك النجاة والسعادة.
وفي هذه الآية التي سبق ذكرها يقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] فهذه الآية العظيمة توجب على كل مسلم أن يقي نفسه، وأن يقي أهله عذاب الله، وذلك بالاستقامة على طاعة الله والترك لمحارم الله، والتواصي بحق الله والصبر عليه، هذا هو سبيل الوقاية لأن الله جل وعلا جعل للنار أسبابًا وجعل للجنة أسبابا، فأسباب الجنة طاعة الله ورسوله، وأسباب النار عصيان الله ورسوله، ولهذا قال سبحانه: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:13، 14].
ويقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى فهذا يبين لنا أن طاعة الله ورسوله هي سبب دخول الجنة، وأن معصية الله ورسوله هي سبب دخول النار.
فالواجب على جميع المسلمين أن يجتهدوا في طاعة الله ورسوله، وأن يبتعدوا عن معصية الله ورسوله، وبذلك يستحقون من ربهم الفوز بالكرامة والسعادة، ونيل ما وعد الله به المتقين من دخول الجنة والنجاة من النار بسبب أعمالهم الطيبة، ومن ذلك أن تقوم على ولدك بتوجيهه إلى الخير وحثه عليه، وإلزامه بأمر الله ومنعه من محارم الله من الصلاة وغير ذلك، تعلمه الطهارة وتعلمه الصلاة، توجهه إلى ذلك، تعلمه الأخلاق الفاضلة، تزجره عما لا ينبغي، ويكون ذلك بالحكمة والرفق حسب الإمكان، وإذا لم تجدِ الموعظة الحسنة ولم يجدِ الرفق فعند ذلك تقوم عليه بما هو أعلى من ذلك من الشدة والزجر والتأديب حسب الطاقة، ولهذا قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع فهذا أيضا من باب التربية الإسلامية والتوجيه الإسلامي، والأخذ على الأولاد وتوجيههم إلى ما يرضي الله .
ومن هذا ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لابن عباس: يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ... الحديث، فهذا توجيه من النبي ﷺ لابن عباس بالأخلاق الفاضلة والأعمال الطيبة التي بها السعادة، وبها النجاة في الدنيا والآخرة، والصغير متى وجه إلى الخير وحث عليه ورغب فيه فإنه بإذن الله يتوجه إلى الخير ويعتاد الخير، ولاسيما مع المواظبة، ولاسيما مع العناية، ولاسيما إذا رأى والده ووالدته وإخوته الكبار يعتادون الأعمال الصالحة، ويجتهدون في الخيرات، فإنه يتأسى بهم ويسير في نهجهم، هذا هو الغالب، وهذا هو المعروف من سنة الله في عباده.
فعليك يا عبدالله أن تكون قدوة صالحة لأولادك في المحافظة على الخير، والاستقامة على ما يرضي الله والابتعاد عما حرم الله جل وعلا، وأن تكون سباقا لما يرضي الله من المحافظة على الصلوات الخمس في الجماعة، من حفظ اللسان عما لا ينبغي من الكلام المنكر والشتم والسب والغيبة والنميمة وغير ذلك، ومن حفظ الجوارح عما حرم الله ، وبذلك تكون قد دعوت أهل بيتك بالقول والفعل، قد دعوتهم إلى الخير بأقوالك وبأفعالك وسيرتك، وبهذا يكون لك إن شاء الله مثل أجورهم إذا تبعوك في هذا الخير.
أما إذا كانت الحال بخلاف ذلك بأن كانت أقوالك وأفعالك ليست طيبة، بل على نهج آخر مخالف للحق، فإنه يخشى عليك أن يكون عليك مثل أوزار أهل بيتك إذا ساروا في نهجك وتبعوا طريقتك غير الطيبة، وهذا في الحقيقة خطر عظيم وبلاء كبير، يجب على كل مسلم وعلى كل من يخاف الله ويرجوه أن يبتعد عن ذلك، وأن يكون على خلق كريم، وعلى أعمال صالحة حتى يكون قدوة صالحة لأهل بيته من أولاد وإخوة وخدم وغير ذلك.
والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يرزقنا الاستقامة على أمره والمحافظة على دينه، والحذر مما يغضبه سبحانه إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.