قال - رحمه الله -: فإن قلت: إنَّهم لم يطلبوا إلا من الأصنام، ونحن ندعو الأنبياء.
قلت: قد بيَّن القرآنُ في غير موضعٍ أن من المشركين مَن أشرك بالملائكة، ومنهم مَن أشرك بالأنبياء والصَّالحين، ومنهم مَن أشرك بالكواكب، ومنهم مَن أشرك بالأصنام، وقد ردَّ الله عليهم جميعهم، وكفَّر كلَّ أصنافهم، كما قال تعالى: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80]، وقال: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ الآية [التوبة:31]، وقال: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ الآية [النساء:172]، ونحو ذلك في القرآن كثير.
الشيخ: وهذا هو الحق، فالمشرك مُشرك، سواء عبد صنمًا أو ملكًا أو جنيًّا أو إنسيًّا أو نبيًّا أو غير ذلك، العبادة حقّ الله وحده، فلا يجوز صرفها لا لملكٍ ولا لنبيٍّ ولا لصالحٍ ولا لجبلٍ ولا لصنمٍ ولا غير ذلك.
والمشركون شركهم متنوع، وكفَّرهم الله كلهم إلا من عبد الله وحده.
وكما في الأنبياء: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98]، وقول ابن الزَّبعرى: نحن نعبد الملائكة والأنبياء وغيرهم، فكلنا في حصب جهنم؟! فردَّ الله عليهم بالاستثناء في آخرها: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [الأنبياء:101].
الشيخ: والمعنى: أنَّ مَن عُبِد وهو غير راضٍ لا يدخل في ذلك، مَن عبده المشركون - كالأنبياء والصالحين - لا يضرُّهم ذلك؛ لأنهم لم يرضوا بهذا، إنما يضرُّ مَن رضي أو دعا إلى عبادة نفسه: كفرعون وأشباهه، أما الأنبياء فهم بُرآء ممن عبدهم، وهكذا الصَّالحون برآء ممن عبدهم.
الشيخ: قال سبحانه: وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80]، فدلَّ على أنَّ عبادة الملائكة والأنبياء كله كفر، نسأل الله العافية.
س: لا يُسمَّى: طاغوتًا إلا إذا رضي؟
ج: نعم إذا كان رضي بهذا، أما إذا ما رضي ما يُسمَّى: طاغوتًا، الأنبياء ما هم بطواغيت وقد عُبِدُوا، والصالحون ما هم بطواغيت وقد عُبِدُوا، إنما يكون الطاغوت مَن عُبِدَ وهو راضٍ، نسأل الله العافية.
قال - رحمه الله -: وهذه العبادات التي صرفها المُشركون لآلهتهم هي أفعال العباد الصَّادرة منهم: كالحب، والخضوع، والإنابة، والتوكل، والدعاء، والاستعانة، والاستغاثة، والخوف، والرجاء، والنّسك، والتقوى، والطواف ببيته رغبةً ورجاءً، وتعلق القلوب والآمال بفيضه، ومدّه، وإحسانه، وكرمه.
فهذه الأنواع أشرف أنواع العبادة وأجلّها، بل هي لبّ سائر الأعمال الإسلامية، وخلاصتها، وكل عملٍ يخلو منها فهو خِداج مردود على صاحبه.
وإنما أشرك وكفر مَن كفر من المشركين بقصد غير الله بهذا، وتأليهه غير الله بذلك، قال تعالى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النحل:17]، وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ [الأنبياء:43]، وقال تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ الآية [الفرقان:3].
وحكى عن أهل النار أنَّهم يقولون لآلهتهم التي عبدوها مع الله: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:97 -98]، ومعلوم أنَّهم ما ساووهم به في الخلق والتدبير والتأثير، وإنما كانت التَّسوية في الحب والخضوع والتعظيم والدعاء ونحو ذلك من العبادات.
قال - رحمه الله -: فجنس هؤلاء المُشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصَّالحين نحكم بأنهم مشركون، ونرى كفرهم إذا قامت عليهم الحُجَّة الرسالية، وما عدا هذا من الذنوب التي هي دونه في المرتبة والمفسدة لا نُكفِّر بها، ولا نحكم على أحدٍ من أهل القبلة الذين باينوا لعباد الأوثان والأصنام والقبور بمجرد ذنبٍ ارتكبوه، وعظيم جرم اجترحوه.
وغُلاة الجهمية والقدرية والرافضة ونحوهم ممن كفَّرهم السلف لا نخرج فيهم عن أقوال أئمة الهدى والفتوى من سلف هذه الأمة، ونبرأ إلى الله مما أتت به الخوارج وقالته في أهل الذنوب من المسلمين.
قال - رحمه الله -: ومجرد الإتيان بلفظ الشهادة من غير علمٍ بمعناها ولا عمل بمُقتضاها لا يكون به المُكلف مسلمًا، بل هو حجة على ابن آدم، خلافًا لمَن زعم أنَّ الإيمان مجرد الإقرار كالكرامية، ومجرد التصديق كالجهمية، وقد أكذب الله المُنافقين فيما أتوا به وزعموه من الشَّهادة، وأسجل على كذبهم، مع أنَّهم أتوا بألفاظٍ مؤكدةٍ بأنواع من التأكيدات، قال تعالى: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1]، فأكَّدوا بلفظ الشَّهادة، وإنَّ المُؤكدة، واللام، وبالجملة الاسمية; فأكذبهم، وأكَّد تكذيبهم بمثل ما أكَّدوا به شهادتهم، سواء بسواء، وزاد التَّصريح باللقب الشنيع، والعلم البشع الفظيع.
وبهذا تعلم أن مسمى الإيمان لا بدَّ فيه من التَّصديق والعمل، ومَن شهد أن لا إله إلا الله، وعبد غيره، فلا شهادةَ له، وإن صلَّى وزكَّى وصام وأتى بشيءٍ من أعمال الإسلام.
الشيخ: كما قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، وقال سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، فإذا كان يعبد أصحابَ القبور أو يعبد الجنَّ أو الملائكة أو غير ذلك فأعماله باطلة: صلاته وصومه وغير ذلك كله باطل؛ لأنَّ أصل العبادة وشرطها الأعظم: الإخلاص لله، وسلامة التوحيد، فإذا كان مشركًا أعماله كلها باطلة: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، نسأل الله العافية.
وبهذا تعلم أن مسمى الإيمان لا بدَّ فيه من التصديق والعمل، ومَن شهد أن لا إله إلا الله، وعبد غيره، فلا شهادةَ له، وإن صلَّى وزكَّى وصام وأتى بشيءٍ من أعمال الإسلام، قال تعالى لمَن آمن ببعض الكتاب وردَّ بعضًا: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ الآية [البقرة:85]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا الآية [النساء:150]، وقال تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117].
والكفر نوعان: مُطلق، ومُقيد; فالمُطلق هو: الكفر بجميع ما جاء به الرسول، والمُقيد: أن يكفر ببعض ما جاء به الرسول، حتى إنَّ بعض العلماء كفَّر مَن أنكر فرعًا مُجمعًا عليه: كتوريث الجد، أو الأخت، وإن صلَّى وصام.
الشيخ: لأنه مكذب لله، إذا أنكر ما أجمع عليه هو مكذب لله، إذا أنكر ميراث البنت أو الزوج أو الزوجة، أو أنكر حلّ النكاح وحلّ بهيمة الأنعام، أو أنكر تحريم الزنا، أو أنكر تحريم الخمر؛ يكون مُكذِّبًا لله، نسأل الله العافية.
س: قول ......: إن النصراني إذا مات فإنه من أهل الجنة؟
ج: مَن قال: "إن النصراني مسلم" كافر، مَن قال: "يدخل الجنة" معناه أنه مسلم، وهكذا اليهودي.
س: يقول عنه: استشهد؟
ج: لا، هذا كفر وضلال، ليس دين حق إلا دين الإسلام، مَن زعم أن اليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو غيرها أنَّ أهلها في الجنة فهو كافر، لكن يُعرَّف ويُبين له، إذا كان الإنسانُ جاهلًا يُبين له بالأدلة الشرعية حتى يعرف ويفهم.
الشيخ: ....... المرأة الزانية التي طافوا بها وشيَّعوها في كل مكانٍ وهي زنت في النَّصرانية، هذا مثلما قال - جلَّ وعلا -: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44]، نسأل الله العافية، هذا من جنس الأنعام، بل أضلّ من الأنعام.
س: بعض الكُتَّاب قال عنها أنَّها شهيدة؟
ج: هو أجهل منها وأضلّ.
س: قول الشيخ أحسن الله عملك: ..... ولن نُكفرهم إلا بعد قيام الحُجَّة؟
ج: إذا كان مثلهم ما بلغته الحُجَّة، أما اليوم فبلغتهم الحُجَّة؛ عندهم القرآن، وعندهم السنة، وهو - رحمه الله - يتورع من بعض الأشياء؛ لأنَّ الناس قاموا عليه، ضدّه، فأراد أن يتخلص من الناس بالشيء الذي ما فيه شُبهة.
س: هل هناك شروط لقيام الحُجَّة؟
ج: بلوغ الدليل، بلوغ الكتاب والسنة، هذه قيام الحُجَّة: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ [إبراهيم:52].
فكيف بمَن يدعو الصَّالحين، ويصرف لهم خالص العبادة ولبّها؟
وهذا مذكور في المُختصرات من كتب المذاهب الأربعة، بل كفَّروا ببعض الألفاظ التي تجري على ألسن بعض الجُهَّال، وإن صلَّى وصام مَن جرت على لسانه.
قال - رحمه الله -: والصحابة كفَّروا مَن منع الزكاة، وقاتلوهم، مع إقرارهم بالشَّهادتين، والإتيان بالصلاة والصوم والحج.
الشيخ: لأنهم لما قاتلوا عليها صار لهم حكم مَن جحدها، لما قاتلوا عليها صار لهم حكم مَن جحدها، فقاتلهم الصحابةُ، أما مَن جحدها بغير قتالٍ يُجبر عليها وتُؤخذ منه ولا يكفر بذلك.
الشيخ: وذلك لأنهم يعبدون غير الله، بنو عبيد رافضة يعبدون غير الله، وأشركوا بالله أهل البيت، نسأل الله العافية.
س: .............؟
ج: مَن وُجد منه الكفر يُكفَّر؛ مَن عبد غير الله يُكفَّر، مَن قام يعبد عليًّا يُكفَّر، ومَن يعبد الحسين يُكفَّر، وهكذا مَن يعبد فاطمة، ومَن يعبد النبي، ومَن يعبد الصديق، كلهم، مَن عُرف بهذا يُكفَّر.
س: .............؟
ج: نعم يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل، يستتيبه ولي الأمر، فإن تاب وإلا قُتل؛ لقوله ﷺ: مَن بدَّل دينه فاقتلوه.
س: .............؟
ج: يعلم أنه كافر ويُستتاب، يقال له: تب إلى الله، ويُبين له الحقّ لعلَّ الله يهديه.
س: مَن يسب الرب ..... هل يُشترط فيه؟
ج: هذا من أكفر الناس، مَن سبَّ الله فهو من أكفر الناس.
س: بعض الناس يقول: يُشترط إقامة الحُجَّة؟
ج: لا، لا، من أكفر الناس، ما يحتاج حُجَّة، سبُّ الرب واضح، نسأل الله العافية.
س: من قيل له: اعدد أقسام لا إله إلا الله، العلم معناها؟
ج: لا، إذا كان ما يعرفها ما يضرّه، إذا كان مُوحِّدًا لله ما يضرّه، هذه عند أهل العلم، ما هي عند العامَّة، إذا عبد الله وحده ولو ما عرف الشروط.
الشيخ: مثلما يقول الرافضةُ: نحن نُصلي ونصوم ونفعل. وهم يعبدون أهل البيت، ما تنفع الصلاة والصوم؟! ما دام وقع الشرك بطل: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].
النصارى عبَّاد في الصوامع يعبدون، يتعبَّدون، ما نفعتهم العبادة وهم يقولون: عيسى ابن الله! أو الله ثالث ثلاثة! نسأل الله العافية. وهكذا اليهود فيهم المتعبدون، ما تنفعهم وهم يقولون: عزير ابن الله! أو يتَّخذون أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله! ويقول سبحانه: وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80].
س: يُفرق بين العوام والدُّعاة؟
ج: مَن تابعهم هو مثلهم، العامَّة تبع قادتهم، الصحابة والنبي ﷺ قاتلوا المشركين، وقاتل عامتهم معهم، قاتل أهل مكة وعامَّتهم معهم يوم بدر، وقاتل الصحابةُ الفرسَ والرومَ وعامَّتهم معهم، تبعٌ لهم.