وَسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
عَنْ دُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ هَلْ يَدْعُو بِهِ فِي الصَّلَاةِ؟ أَمْ بَعْدَ السَّلَامِ؟
فَأَجَابَ:
يَجُوزُ الدُّعَاءُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَغَيْرِهَا: قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ، وَالدُّعَاءُ قَبْلَ السَّلَامِ أَفْضَلُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَكْثَرُ دُعَائِهِ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَالْمُصَلِّي قَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَنْصَرِفْ، فَهَذَا أَحْسَنُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الشيخ: ظاهر السنة أنه بعد السلام؛ لأن الرسول قال: فليصل ركعتين ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك فظاهر السنة خلاف هذا، فإذا اشتبهت عليه الأمور فليستخر وليكن بعد صلاة ركعتين، عنده عزم على الزواج أو السفر أو عمل آخر فاشتبه عليه الأمر ولم يعرف وجه المصلحة فيستخر، السنة أن يستخير يصلي ركعتين ثم يرفع يديه ويقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرتك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسمي باسمه- اللهم إن كنت تعلم أن زواجي من فلانة أو سفري إلى كذا أو شرائي كذا أو ما أشبه ذلك خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فيسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر –ويسميه- شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفني عنه، واصرفه عني، وقدّر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به هذا هو دعاء الاستخارة، هذا هو الأفضل ولو استخار بصلاته جاز لأنه دعاء وطلب، لكن لكونه يفعل السنة يصلي ركعتين ثم يستخير يكون أقرب إلى النجاح.
س: يصليها في وقت النهي؟
الشيخ: الأقرب أنها في غير وقت النهي لأن الاستخارة وقتها واسع، الأحوط يكون في غير وقت النهي لأن وقت الاستخارة واسع.
س: .....؟
الشيخ: ينشرح صدره لأحد الأمرين يمشي فيه، وإذا استشار يكون أفضل، إذا تيسر من يستشير يستشير بعد الاستخارة، يستشير الناس الطيبين الذين يثق بهم وبنصحهم وفهمهم، إذا استشارهم يكون طيب أيضا لأن الله قال: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]، وقال: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159] يشاور الذين يعرفون البنت هي صالحة يتزوجها أو غير صالحة، وعن أهلها يشاور يكون زيادة مع الاستخارة، أو السفر كذلك يشاور فيه وما أشبه ذلك نعم.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد ابْنُ تَيْمِيَّة رَحِمَهُ اللَّهُ:
فَصْلٌ:
فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَالنِّزَاعِ فِي ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا.
فَنَقُولُ: قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ عَامًّا لِجَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ، وَفِي لَفْظٍ فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى، وَفِي لَفْظٍ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ، وَفِي لَفْظٍ سَجْدَةً وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ، وَفِي لَفْظٍ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَفِي لَفْظٍ فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى، وَفِي لَفْظٍ: سَجْدَةً وَفِي هَذَا أَمْرُهُ بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْفَجْرِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَحَّتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَصِلَ إلَيْهَا أُخْرَى. وَهَذَا الثَّانِي مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
الشيخ: يحتمل يصل، ويحتمل يصلي، فليصل إليها أخرى، وليصلي محتمل، والمقصود من هذا عدم التعمد، هذا إذا وقع على غير تعمد، أما إنه يتعمد لا، ليس له التأخير إلى وقت النهي، النبي عليه الصلاة والسلام قال: وقت العصر ما لم تصفر الشمس لا يجوز له التأخير إلى أن تصفر الشمس، لكن لو قدر أن إنسان نائم أو شغل ولم ينتبه إلا وقد ضاق الوقت فإنه يصلي في الحال ولو في آخر الوقت، يصلي فريضته ولو ما أدرك إلا ركعة فيصلي ويتممها ولو بعد غروب الشمس، لا يتأخر، لكن ليس له أن يؤخر عمدا، لكن لو أنه استيقظ من نومه أو أفاق من سهوه فليبادر بالصلاة ولو في آخر وقت العصر لا يتأخر.
وَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَعَلَى هَذَا مَجْمُوعُ الصَّحَابَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَرَأَ فِي الْفَجْرِ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: كَادَتْ الشَّمْسُ تَطْلُعُ، فَقَالَ: لَوْ طَلَعَتْ لَمْ تَجِدْنَا غَافِلِينَ. فَهَذَا خِطَابُ الصِّدِّيقِ لِلصَّحَابَةِ يُبَيِّنُ أَنَّهَا لَوْ طَلَعَتْ لَمْ يَضُرَّهُمْ ذَلِكَ وَلَمْ تَجِدْهُمْ غَافِلِينَ بَلْ وَجَدْتهمْ ذَاكِرِينَ اللَّهَ مُمْتَثِلِينَ لِقَوْلِهِ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف:205]. وَهَذَا الْقَوْلُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: يَقْضِي مَا نَامَ عَنْهُ أَوْ نَسِيَهُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ يَقُولُونَ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ فَائِتَةً، وَالْفَوَاتُ عِنْدَهُمْ لَا يُقْضَى فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ بِخِلَافِ عَصْرِ يَوْمِهِ فَإِنَّهَا حَاضِرَةٌ مَفْعُولَةٌ فِي وَقْتِهَا، وَاحْتَجُّوا بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ يَوْمَ نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَنْهَا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ.
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِوُجُوهِ.
أَحَدُهَا: أَنَّ التَّأْخِيرَ كَانَ لِأَجْلِ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: هَذَا وَادٍ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ ابْتَدَأَ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ. أَمَّا مَنْ صَلَّى رَكْعَةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوَقْتَ كَمَا قَالَ: فَقَدْ أَدْرَكَ، وَالثَّانِيَةُ تُفْعَلُ تَبَعًا كَمَا يَفْعَلُهُ الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً.
قَالُوا: وَهَذَا أَوْلَى بِالْعُذْرِ مِنْ الْعَصْرِ إلَى الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الْغُرُوبَ مَشْهُودٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَهُ، وَأَمَّا الطُّلُوعُ فَهُوَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ لَا يَعْلَمُ مَتَى تَطْلُعُ، فَإِذَا صَلَّى صَلَّى فِي الْوَقْتِ؛ وَلِهَذَا لَا يَأْثَمُ مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْهَا قَبْلَ الطُّلُوعِ كَمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي أَحَادِيثِ الْمَوَاقِيتِ "أَنَّهُ سَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ". وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: وَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ، وَقَالَ: وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَفِي لَفْظٍ: مَا لَمْ تُضَيَّفْ لِلْغُرُوبِ فَمَنْ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ جَمِيعَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ وَقْتَ الْغُرُوبِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ آثِمٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ؛ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا. لَكِنْ جَعَلَهُ الرَّسُولُ مُدْرِكًا لِلْوَقْتِ وَهُوَ وَقْتُ الضَّرُورَةِ فِي مِثْلِ النَّائِمِ إذَا اسْتَيْقَظَ، وَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ، وَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ، وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَا، فَأَمَّا مَنْ أَمْكَنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ.
الشيخ: وهذا ينبغي التنبه له، فإن التأخير لا يجوز، بل يجب المبادرة بالصلاة في وقتها، وليس له أن يؤخر إلى طلوع الشمس ولا إلى أن تصفر الشمس، لكن لو وجد بأسباب أخرى بنوم أو سهو أو نائم يستيقظ أو مجنون أفاق فقد أدرك والحمد لله؛ لأن الرسول ﷺ قال: من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها حتى ولو بعد الوقت، النبي ﷺ لما نام هو وأصحابه عن الصلاة صلوها بعد الوقت والحمد لله.
س: المجنون والمغمى عليه إذا أفاق بعد خروج الوقت هل يقضوا الصلاة؟
الشيخ: المجنون لا، ما هو مكلف، إن صار مجنونا قبل دخول الوقت رفع عنه التكليف، أما النائم يقضي، والمغمى عليه يشبه النائم، إذا أفاق يقضي في اليوم أو اليومين أو الثلاث كما روي عن عمار بن ياسر وجماعة، وقال بعض أهل العلم: إن أغمي يوما كاملا فلا قضاء، وإن كان أقل من يوم يقضي، والأقرب والله أعلم أنه يشبه النائم، إذا كان يوم أو يومين أو ثلاث يقضي، وإن كان أكثر لا يقضي.
فَأَمَّا مَنْ أَمْكَنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ وَهُوَ مِنْ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ وَلَكِنْ فِعْلُهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خَيْرٌ مِنْ تَفْوِيتِهَا؛ فَإِنَّ تَفْوِيتَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ: صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، وَأَمَّا الْمُصَلِّي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً قَبْلَ طُلُوعِهَا أَوْ قَدْ صَلَّاهَا قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ شَيْءٌ مِنْهَا فَهُوَ وَقَوْلُهُمْ: إنَّ ذَلِكَ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ فِي وَقْتِ جَوَازٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ وَقْتَ نَهْيٍ.
يُقَالُ: الْكَلَامُ فِي الْأَمْرَيْنِ لِمَ جَوَّزْتُمْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَقْتَ النَّهْيِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ إنَّمَا جَعَلَ وَقْتَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ أَوْ تُضَيَّفْ لِلْغُرُوبِ وَلَمْ تُجَوِّزُوا فِعْلَ الْفَجْرِ وَقْتَ النَّهْيِ؟
الثَّانِي: أَنَّ مُصَلِّيَ الْعَصْرِ وَإِنْ صَلَّى الثَّانِيَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِ نَهْيٍ فَمُصَلِّي الْفَجْرِ صَلَّى الْأُولَى فِي غَيْرِ وَقْتِ نَهْيٍ ثُمَّ إنَّهُ تَرَجَّحَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ صَلَّى الْأُولَى فِي وَقْتِهَا بِلَا ذَمٍّ وَلَا نَهْيٍ؛ بِخِلَافِ مُصَلِّي الْعَصْرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا صَلَّى الْأُولَى مَعَ الذَّمِّ وَالنَّهْيِ.
وَبِكُلِّ حَالٍ فَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ كُلِّ صَلَاةٍ؛ بَلْ عَصْرُ يَوْمِهِ تُفْعَلُ وَقْتَ النَّهْيِ بِالنَّصِّ وَاتِّفَاقِهِمْ. وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ مِنْ الْفَجْرِ تُفْعَلُ بِالنَّصِّ مَعَ قَوْلِ الْجُمْهُورِ.
فَإِنْ قِيلَ فَهُوَ مَذْمُومٌ عَلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ وَقْتَ النَّهْيِ فَكَيْفَ يَقُولُونَ: لَمْ يَنْهَ قَبْلَ الذَّمِّ؟
إنَّمَا هُوَ لِتَأْخِيرِهَا إلَى هَذَا الْوَقْتِ، ثُمَّ إذَا عَصَى بِالتَّأْخِيرِ أُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَا يُفَوِّتُهَا، فَإِنَّ التَّفْوِيتَ أَعْظَمُ إثْمًا وَلَا يَجُوزُ بِحَالِ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَكَانَ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ نَوْعٍ مِنْ الْإِثْمِ خَيْرًا مِنْ أَنْ يُفَوِّتَهَا فَيَلْزَمُهُ مِنْ الْإِثْمِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. وَالشَّارِعُ دَائِمًا يُرَجِّحُ خَيْرَ الْخَيْرَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا؛ وَيَدْفَعُ شَرَّ الشَّرَّيْنِ بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا، وَهَذَا كَمَنْ مَعَهُ مَاءٌ فِي السَّفَرِ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِطَهَارَتِهِ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ، فَإِنْ أَرَاقَهُ عَصَى وَأُمِرَ بِالتَّيَمُّمِ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ خَيْرًا مِنْ تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ؛ لَكِنْ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ: هُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ.
وَمُفَوِّتُ الْوَقْتِ لَا تُمْكِنُهُ الْإِعَادَةُ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَقَدْ دَلَّ النَّصُّ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ شَامِلًا لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَدْ احْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى قَضَاءِ الْفَوَائِتِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي قتادة الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمِ: لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الْأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا فَقَدْ أَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ حِينَ يَنْتَبِهُ وَحِينَ يَذْكُرُ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَقْتٍ. وَهَذَا الْعُمُومُ أَوْلَى مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ ذَاكَ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْفَرْضَ؛ لَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً، لَمْ يَتَنَاوَلْ عَصْرَ يَوْمِهِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْفَجْرِ، وَلِأَنَّهُ إذَا اسْتَيْقَظَ أَوْ ذَكَرَ فَهُوَ وَقْتُ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَكَانَ فِعْلُهَا فِي وَقْتِهَا كَفِعْلِ عَصْرِ يَوْمِهِ فِي وَقْتِهَا مَعَ أَنَّ هَذَا مَعْذُورٌ وَذَاكَ غَيْرُ مَعْذُورٍ، لَكِنْ يُقَالُ: هَذَا الْمُفَوِّتُ لَوْ أَخَّرَهَا حَتَّى يَزُولَ وَقْتُ النَّهْيِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ تَفْوِيتٌ ثَانٍ بِخِلَافِ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّهَا لَفَاتَتْ وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ مِنْ الْفَجْرِ.
فَيُقَالُ: هَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ تَأْخِيرِهَا لِمَصْلَحَةِ رَاجِحَةٍ كَمَا أَخَّرَهَا النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ: هَذَا وَادٍ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ، وَمِثْلُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا حَتَّى يَتَطَهَّرَ غَيْرُهُ وَيُصَلُّوهَا جَمَاعَةً كَمَا صَلَّوْا خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ صَلَاةَ الْفَجْرِ لَمَّا نَامُوا عَنْهَا، بِخِلَافِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَفْوِيتُهَا بِحَالِ مِنْ الْأَحْوَالِ. وَهَذَا الَّذِي بَيَّنَّاهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا عُمُومَ لِوَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتِ غُرُوبِهَا فَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمَوَاقِيتِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
فَصْلٌ:
وَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَاحْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ: الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ، وَأَخَذُوا بِهِ وَجَوَّزُوا الطَّوَافَ وَالصَّلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
الشيخ: يعني في مكة إذا طاف وصلى ولو بعد العصر لأنها من ذوات الأسباب لهذا الحديث لا تمنعوا أحدا طائف بهذا البيت أية ساعة شاء من ليل أو نهار فإذا طاف بعد الفجر أو طاف بعد العصر فإنه يصلي الركعتين لأنها من ذوات الأسباب، كما لو دخل المسجد بعد العصر وصلى ركعتين التحية - تحية المسجد - لأنها من ذوات الأسباب، وكما لو كسفت الشمس بعد العصر صلى صلاة الكسوف لأنها من ذوات الأسباب.
وَأَمَّا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَعَنْ أَحْمَد فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا لَا يَرَوْنَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ، وَالْحُجَّةُ مَعَ أُولَئِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عُمُومٌ مَقْصُودٌ فِي الْوَقْتِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ الْمَوَاقِيتُ الْخَمْسَةُ.
الشيخ: الصواب أنه عام يعم الأوقات القصيرة والطويلة، فلو طاف في آخر النهار، أو طاف عند طلوع الشمس صلى ولا يختص بالطويل، إذا طاف بعد صلاة الفجر أو قرب الشمس أو طاف بعد العصر أو في آخر النهار يصلي الركعتين متى فرغ من الطواف، صلاهما في الأوقات الطويلة والقصيرة لعموم الحديث: لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار هذا يعم الوقت الطويل والقصير.
س: لو قال ليس هناك وقت نهي؟
الشيخ: لا، في وقت نهي، لكن لهؤلاء ليس وقت نهي، أما إنسان يقوم يصلي لا، ممنوع لكن هذا إذا طاف يصلي.
س: .....؟
الشيخ: بالسبب نعم.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْعُمُومَ لَمْ يَخُصَّ مِنْهُ صُورَةً لَا بِنَصِّ وَلَا إجْمَاعٍ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ مَخْصُوصٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَالْعُمُومُ الْمَحْفُوظُ رَاجِحٌ عَلَى الْعُمُومِ الْمَخْصُوصِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْبَيْتَ مَا زَالَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيُصَلُّونَ عِنْدَهُ مِنْ حِينِ بَنَاهُ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ يَطُوفُونَ بِهِ وَيُصَلُّونَ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ كَثُرَ طَوَافُ الْمُسْلِمِينَ بِهِ وَصَلَاتُهُمْ عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَتْ رَكْعَتَا الطَّوَافِ مَنْهِيًّا عَنْهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ لَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ نَهْيًا عَامًّا لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَى ذَلِكَ، وَلَكَانَ ذَلِكَ يُنْقَلُ، وَلَمْ يَنْقُلْ مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الطَّوَافَ طَرَفَيْ النَّهَارِ أَكْثَرُ وَأَسْهَلُ.
الرَّابِعُ: أَنَّ فِي النَّهْيِ تَعْطِيلًا لِمَصَالِحِ ذَلِكَ مِنْ الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا كَانَ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ، وَمَا كَانَ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ يُفْعَلُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ فَلَيْسَ فِيهَا نَفْسِهَا مَفْسَدَةٌ تَقْتَضِي النَّهْيَ، وَلَكِنْ وَقْتُ الطُّلُوعَ وَالْغُرُوبِ الشَّيْطَانُ يُقَارِنُ الشَّمْسَ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ فَالْمُصَلِّي حِينَئِذٍ يَتَشَبَّهُ بِهِمْ فِي جِنْسِ الصَّلَاةِ، فَالسُّجُودُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَ مَعْبُودَهُمْ.
الشيخ: صوابه فالمسلمون ما هو فالسجود ، فالمسلمون نعم بدل السجود.
فَالمسلمون وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَ مَعْبُودَهُمْ وَلَا يَقْصِدُونَ مَقْصُودَهُمْ لَكِنْ يُشَبِّهُهُمْ فِي الصُّورَةِ، فَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَاتَيْنِ الْوَقْتَيْنِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ التَّشَبُّهُ بِالْكُفَّارِ وَلَا يَتَشَبَّهَ بِهِمْ الْمُسْلِمُ فِي شِرْكِهِمْ كَمَا نَهَى عَنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالسَّفَرِ مَعَهَا وَالنَّظَرِ إلَيْهَا لِمَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ، وَنَهَاهَا أَنْ تُسَافِرَ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ، وَكَمَا نَهَى عَنْ سَبِّ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ لِئَلَّا يَسُبُّوا اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَكَمَا نَهَى عَنْ أَكْلِ الْخَبَائِثِ لِمَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ التَّغْذِيَةُ الَّذِي يَقْتَضِي الْأَعْمَالَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
ثُمَّ إنَّ مَا نَهَى عَنْهُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ يُبَاحُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ كَمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى الْمَخْطُوبَةِ وَالسَّفَرُ بِهَا إذَا خِيفَ ضَيَاعُهَا كَسَفَرِهَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، مِثْلَ سَفَرِ أُمِّ كُلْثُومٍ وَكَسَفَرِ عَائِشَةَ لَمَّا تَخَلَّفَتْ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطِّلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ إلَّا لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمَفْسَدَةِ، فَإِذَا كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ لَمْ يَكُنْ مُفْضِيًا إلَى الْمَفْسَدَةِ. وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْمَفْسَدَةِ وَلَيْسَ النَّاسُ مُحْتَاجِينَ إلَيْهِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ لِسِعَةِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُبَاحُ فِيهَا الصَّلَاةُ بَلْ فِي النَّهْيِ عَنْهُ بَعْضُ الْأَوْقَاتِ مَصَالِحُ أُخَرُ مِنْ إجْمَامِ النُّفُوسِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ مَنْ ثِقَلِ الْعِبَادَةِ كَمَا يُجَمُّ بِالنَّوْمِ وَغَيْرِهِ. وَلِهَذَا قَالَ مُعَاذٌ: إنِّي لَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي.
وَمِنْ تَشْوِيقِهَا وَتَحْبِيبِ الصَّلَاةِ إلَيْهَا إذَا مُنِعَتْ مِنْهَا وَقْتًا فَإِنَّهُ يَكُونُ أَنْشَطَ وَأَرْغَبَ فِيهَا، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ إذَا خُصَّتْ بِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ نَشِطَتْ النُّفُوسُ لَهَا أَعْظَمَ مِمَّا تَنْشَطُ لِلشَّيْءِ الدَّائِمِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الشَّيْءَ الدَّائِمَ تَسْأَمُ مِنْهُ وَتَمَلُّ وَتَضْجَرُ، فَإِذَا نَهَى عَنْهُ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ زَالَ ذَلِكَ الْمَلَلُ إلَى أَنْوَاعٍ أُخَرَ مِنْ الْمَصَالِحِ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ، فَفِي النَّهْيِ دَفْعٌ لِمَفَاسِدَ وَجَلْبٌ لِمَصَالِحَ مِنْ غَيْرِ تَفْوِيتِ مَصْلَحَةٍ.
وَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ سَبَبٌ فَمِنْهَا مَا إذَا نَهَى عَنْهُ فَاتَتْ الْمَصْلَحَةُ وَتَعَطَّلَ عَلَى النَّاسِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ وَتَحْصِيلِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ وَالْمَصْلَحَةِ الْعَظِيمَةِ فِي دِينِهِمْ مَا لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ كَالْمُعَادَةِ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ وَكَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا مَا تَنْقُصُ بِهِ الْمَصْلَحَةُ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لَا سِيَّمَا لِلْقَادِمِينَ وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْتَنِمُوا الطَّوَافَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَالطَّوَافُ لَهُمْ وَلِأَهْلِ الْبَلَدِ طَرَفَيْ النَّهَارِ.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ: ذَوَاتُ الْأَسْبَابِ إنَّمَا دَعَا إلَيْهَا دَاعٍ لَمْ تُفْعَلْ لِأَجْلِ الْوَقْتِ؛ بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَا سَبَبَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَمَفْسَدَةُ النَّهْيِ إنَّمَا تَنْشَأُ مِمَّا لَا سَبَبَ لَهُ دُونَ مَا لَهُ السَّبَبُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: لَا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا. وَهَذِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا تَدُلُّ أَيْضًا عَلَى قَضَاءِ الْفَوَائِتِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ.
الشيخ: وهذا مثل ما قال ﷺ: من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فلو نام عن الفجر ولم يذكرها إلا العصر صلاها، وكذلك لو نام عن الفجر ولم يذكرها إلا عند طلوع الشمس صلاها في الحال، وهكذا المقصود أن الفوائت تصلى حيث استيقظ الإنسان، من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك وذوات الأسباب مصلحة تدرك فتفعل في أوقات النهي بخلاف التطوع المطلق فيمنع.
س: ركعتي القدوم من السفر إذا وصل في وقت نهي يصلي؟
الشيخ: محل نظر، الأقرب أنه لا يصلي في وقت نهي لأنه ما هو بواضح في أنها من ذوات الأسباب، أما يتقدم يستطيع يتقدم أو يتأخر في وقت النهي.
س: إذا انتهى من طوافه وأقاموا لصلاة المغرب هل يغني عنه؟
الشيخ: يصلي الركعتين بعد المغرب، إذا أقيمت الصلاة وهو ما صلى ركعتين يصلي معهم الفريضة ثم يصلي سنة الطواف.
س: كيف يوجه إذا قلنا أنه للسبب وقوله ﷺ: وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار؟
الشيخ: إيه إذا طاف شرعت له، الطواف مشروع دائما، وإذا طاف تبعته الركعتان.
س: يعني هذه ركعتان؟
الشيخ: الطواف نعم ركعتا الطواف.
س: إذا طهرت الحائض قبل غروب الشمس أو قبل طلوع الشمس هل تقضي؟
الشيخ: تصلي إذا طهرت في الليل تصلي المغرب والعشاء، وإذا طهرت في العصر تصلي الظهر والعصر.